اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 495
إلا أنه لا يبقى بعد تحركه حياً إلا يوماً أو أكثر قليلاً أو أقل قليلاً ثم يطفأ سريعاً في لحظة. قال: وفي هذا دلالة على أن الناس قد يكونون بالتناسل المعهود المعروف، وقد يكونون على غير التناسل بالطبيعة في مواضع من الأرض توجب ذلك، وإن تلك المواضع كأرحام النساء لتكوين الولد، ولا فرق بين الحيوانات الكبار والصغار التي تتكون بتعفين بعض الأشياء على غير طريق التناسل كالذباب والدود والحناش والعقارب والفأر والزنابير والحيات، وكذلك يتكون ناس وخيل وحمير وجمال وفيلة وسباع، القياس واحد.
وكله مدينة عظيمة ويجمعها ملك ولها حصن وأسواق ومواضع نبيلة، وفيها مبيعات كثيرة، ومنها يجلب الكافور والرصاص، كما قلناه، والجوزة والقاقلة، وأهلها عبدة أوثان، ومياههم من مياه المطر، ومأكولهم الحنطة والماش.
كند:
مدينة من عمل فرغانة، وهو أيضاً ملك عظيم من ملوك الهند كان بينه وبين الاسكندر حكايات.
وكند [1] من خجندة على ثلاثة أميال، وهي حسنة جليلة فيها كروم وبساتين، وليس في عملها مدينة غير كند، وجامعها في المدينة، ودار الإمارة في الميدان بالربض، وينحدر إليها نهر الشاش، ومخرجه من أنهار تجتمع إليه من بلاد الترك، ويمتد كثيراً إلى أن يقع في بحيرة خوارزم.
الكناسة:
بالبصرة معروفة، وكان بنو أسد وبنو تميم يطرحون فيها كناستهم.
وكناسة الكوفة فيها صلب يوسف بن عمر عامل هشام بن عبد الملك على العراق زيد بن علي بن الحسين بن علي رضي الله عنهم ثم حرق بالنار بعد سنتين وذري في الريح، وذلك سنة إحدى وعشرين ومائة أو سنة اثنتين وعشرين.
وكان زيد [2] بن علي شاور أخاه أبا جعفر محمد بن علي فأشار عليه بأن لا يركن إلى أهل الكوفة إذ كانوا أهل غدر ومكر، وقال له: بها قتل جدك علي وطعن عمك الحسن وقتل أبوك الحسين، وفيها وفي أعمالها شتمنا أهل البيت، وأخبره بما كان عنده من العلم في مدة ملك بني مروان وما يتعقبهم من الدولة العباسية، فأبى إلا ما عزم عليه من المطالبة بالحق، فقال له: إني أخاف عليك يا أخي أن تكون غداً المصلوب بكناسة الكوفة، وودعه أبو جعفر لعلمه أنهما لا يلتقيان، وقد كان زيد دخل على هشام بالرصافة، فلما مثل بين يديه لم ير موضعاً يجلس فيه، فجلس حيث انتهى به مجلسه وقال: يا أمير المؤمنين، ليس أحد يكبر عن تقوى الله، ولا يصغر دون تقوى الله عز وجل، فقال له هشام: اسكت لا أم لك، أنت الذي تنازعك نفسك في الخلافة وأنت ابن أمة، قال: يا أمير المؤمنين، إن لك جواباً إن أحببت أجبتك به، وإن أحببت أمسكته عنك، قال: أجب، قال: إن الأمهات لا يقعدن بالرجال عن الغايات، وقد كانت أم إسماعيل أمة لأم إسحاق عليهم السلام، فلم يمنعه ذاك أن ابتعثه الله تعالى نبياً وجعله للعرب أباً وأخرج من صلبه خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم، أفتقول لي هذا وأنا ابن فاطمة وابن علي رضي الله عنهما، وقام وهو يقول:
شرده الخوف فأزرى به ... كذاك من يكره حر الجلاد
منخرق الخفين يشكو الوجى ... تنكبه أطراف مرو حداد
قد كان في الموت له راحة ... والموت حتم في رقاب العباد
أن يحدث الله له دولة ... يترك آثار العدا كالرماد فمضى عليها إلى الكوفة، وخرج عنها ومعه القراء والأشراف، فحاربه يوسف بن عمر الثقفي، فلما قامت الحرب انهزم أصحاب زيد وبقي جماعة يسيرة، فقاتلهم أشد قتال وهو يقول متمثلاً:
ذل الحياة وعز الممات ... كلاً أراه طعاماً وبيلا
فإن كان لا بد من واحد ... فسيري إلى الموت سيراً جميلا [1] نزهة المشتاق: 218، وانظر الكرخي: 187، والمقدسي: 272، وياقوت (كند) ، وآثار البلاد: 554. [2] مروج الذهب 5: 467.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 495