اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 481
أمنع منها، بل ليس لها نظير إلا مدينة رندة بالأندلس، فإنها تشبهها في وضعها والخندق المحيط بها والحافات المحدقة بها شبهاً كثيراً، لكن هذه القسنطينة أعظم وأكبر وأعلى، فإنها على جبل عظيم من حجر صلد، قد شقَّ الله تعالى ذلك الجبل فصار فيه خندق عظيم يدور بالمدينة من ثلاثة جوانب، ونهرها الكبير يدخل على ذلك الخندق ويدور بالمدينة فيسمع لجريانه في ذلك الخندق دوي عظيم هائل وصوت مفزع، وقد عقد الأولون على هذا الجبل قنطرة عظيمة طبقات بعضها فوق بعض، وعليها الدخول إلى باب المدينة، وهي متصلة بالباب، وقد بني على طرف القنطرة مما يلي باب المدينة بيت على أقباء يسميه أهل المدينة العبور يعنون الشعرى، لأنه معلق في جوّ السماء، فإذا كنت في وسط هذه القنطرة تعبر إلى الضفة الثانية تظن أنك تطير في الهواء، وترى ماء النهر الكبير في قعر ذلك الخندق البعيد المهوى مثل الجدول الصغير، وهذه المدينة من إحدى عجائب العالم، وهي على نظر واسع كما قلناه، ولها بساتين كثيرة الفواكه، لكنها شديدة البرد والثلوج كثيرة الرياح لعلوها وارتفاعها، وأقرب ما لها من مراسي البحر مرسى القل.
قالوا: وهي على قطعة جبل منقطع مربع، فيه بعض الاستدارة لا يوصل إليه من مكان إلا من جهة باب بغربيها ليس بكبير المنعة [1] ، وهناك مقابر أهلها، ومع المقابر بناء قديم من بناء الأول، وبه قصر تهدم أكثره، وهو دار ملعب من بناء الروم ويحيط بقسنطينة الوادي من جميع جهاتها كالعقد، وليس بها من داخلها سور يعلو أكثر من نصف قامة، ولها بابان: باب ميلة من المغرب، وباب القنطرة في الشرق، والقنطرة من أعجب البنيان لأن علوها يزيد على مائة ذراع، وهي من بناء الروم، قسيّ عليها قسي، عددها في سعة الوادي خمس، والماء يدخل على ثلاث منها مما يلي جانب المغرب، وهي كما قلناه قوس على قوس، فالقوس الأولى يجري فيها الماء أسفل الوادي، والقوس الأخرى فوقها وعلى ظَهرها المشي والجواز إلى البر الثاني، وباقي القوسين اللتين من جهة المدينة مفردتان على الجبل، وبين القوس والقوس أرجل تدفع مضرة الماء ومصادمته [2] عند حملة سيوله، وعلى رقاب الأرجل قسي فارغة صغار ربما زاد الماء في بعض الأوقات فعلا الأرجل ومرّ في تلك الفرجات، وهي من أعجب ما رئي من البناء وليس في المدينة كلها دار كبيرة ولا صغيرة إلا وعتبة [3] بابها حجر واحد، وكذلك عضادات جميع الأبواب، وبناؤها بالتراب وأرضها حجر صلد، وفي كل دار مطمورتان وثلاث وأربع نقراً في الحجر تبقى الحنطة فيها لبردها واعتدال هوائها، وواديها يأتي من جهة الجنوب ليحيط بها من غربيها ويمر شرقاً مع دائر المدينة ويستدير في جهة الشمال إلى أن يصب في البحر في غربي وادي سهر. والقسنطيية من أحصن بلاد الدنيا، وهي مطلة على فحوص ومزارع والحنطة والشعير ممتدة في جميع جهاتها، ولها في داخل المدينة ومع سورها مسقى يستقون منه ويتصرفون منه في أوقات حصارها متى طرقها عدوّ، وبين قسنطينة وبجاية ستة أيام، أربعة منها إلى جيجل، ومن جيجل إلى بجاية خمسون ميلاً.
القسطنطينية [4] :
كانت رومة في القديم دار مملكة الروم نزلها من ملوكهم تسعة وعشرون ملكاً، ثمِ ملك بها قسطنطين الأكبر ثم انتقل إلى بزنطية وبنى عليها سوراً وسماها القسطنطينية، وقد كان اسمها طوانة ثم نسبت إلى قسطنطين، وبينها وبين عمورية ستون ميلاً في قرى وعمارات.
وخليجها المشهور بها هو الداخل من بحر الشام الواقع في البحيرة التي تتصل بالقسطنطينية، وإلى ذلك الخليج يصل التجار المختلفون من العراق والشام وغيرهما إلى القسطنطينية ويعبرونه في السفن إلى العدوة الثانية، وهو الذي عبر فيه رسول معاوية بن أبي سفيان حين وجهه للاحتيال على البطريق الذي لطم وجه الرجل المسلم في الحكاية المشهورة.
ومدينة القسطنطينية [5] ثلاث نواحي: ناحيتان منها في البحر الأعظم مما يلي القبلة والمشرق والمغرب، والناحية الثالثة (6) [1] الإدريسي: السعة. [2] الإدريسي: ومصادرته. [3] ص ع: وعلى. [4] في المصادر الجغرافية معلومات مختلفة عن القسطنطينية، انظر التنبيه والإشراف: 138 - 142، وابن خرداذبه: 109، وابن الفقيه: 145، وآثار البلاد: 603، وياقوت (القسطنطينية) ، وابن الوردي: 50، ورحلة ابن بطوطة، ولكن المؤلف يتابع أولاً البكري (ح) : 192 (راجع مادة: رومة) ثم يعيد بعض ما ذكره في مادة خليج القسطنطينية معتمداً في معلومات كثيرة على نزهة المشتاق، ثم يتكئ في أكثر معلوماته عن المدينة على ابن رسته 119 - 126، وفي صبح الأعشى 5: 377 نقل عن الروض. [5] نزهة المشتاق: 256.
(6) ص ع: السابعة.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 481