responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم    الجزء : 1  صفحة : 478
والعين الأُخرى تحت قصر قفصة تسمى بالطرميد عليها بناء عجيب، وبإزائها مسجد يعرف بمسجد الحواريين، منبع هذه العين من حجر صلد من ثقب يسع فيه الإنسان، وينبعث منه بقوة عظيمة وقد بني له صهريج عليه دكاكين مبنية بالحجر الجليل، وعليه أقباء وقد بني فوقه مسجد عظيم، فإذا اجتمع ماء هذه العين الكبيرة والتي عند الجامع جاء منهما نهر كبير تطحن عليه أرحاء كثيرة، ويسقي نصف غابة قفصة ونصف أرضها ومزدرعاتها، والنصف الثاني من غابة قفصة يسقى من عين عظيمة خارج المدينة تسمى عين المنستير، وهي عين كبيرة معينة عذبة يخرج منها نهر كبير، وهذه العين من أحسن ما رئي من العيون، وهي في جانب النهر الكبير المسمى بوادي بايش [1] ، وهو يشق غابة قفصة ويسقي بعض بساتينها، وهو نهر كبير مشهور يأتي من جبال شرقي قفصة لكنه في أيام الصيف يقل جريانه ولا ينقطع، وأرض هذا الوادي كله تنشع ماء، وفيه تورد العرب إبلها تحفر فيه أحساء فيخرج ماء عذباً معينَاً.
ولأهل قفصة في سقي جناتهم هندسة عظيمة وبرسام شديد وتدقيق حساب، يقول أهل قفصة: إذا رأيت قوماً يتخاصمون وقد علا بينهم الكلام فاعلم أنهم في أمر الماء، وكان على أحد أبوابها كتابة منقوشة في حجر من عمل الأول ترجمت فإذا هي: هذا بلد تحقيق وتدقيق وتدنيق. وكذلك ليس بإفريقية حريم أجمل من حريم قفصة، مع ملاحة أخلاقهم ورخامة منطقهم. ويسمون الماء الذي يخرج من المدينة فيسقي نصف جنّاتهم: الماء الداخل، ويسمون الماء الذي خارج المدينة وهو عين المنستير وماء وادي بايش [2] : الماء الخارج، ولهم مياه غير هذه تسمى بالماء الصغير، وهي عيون كثيرة بقرب المدينة تسقي بعض جناتهم، وسقيهم بها بالساعات، فترى خدام تلك الجهة [3] والبساتين أعرف بأوقات النهار إذا سألت رجلاً منهم لا يفقه شيئاً عما مضى من ساعات النهار وقف ونظر إلى الشمس واكتال بقدميه في موضع ظله ويقول لك: مضى كذا وكذا ساعة وكذا وكذا سدس ساعة. وأهل قفصة يتنافسون في المياه كلها ويتبايعون سقيها بأعلى ثمن، وأكثرهم يتكلم باللسان اللطيني الإفريقي.
ومدينة [4] قفصة مركز البلاد الدائرة بها.
ولها غابة كبيرة، وقد أحاطت بها من كل ناحية مثل الإكليل في تكسير دائرتها نحو خمسة عشر ميلاً، فيها من المنازل التي تعرف بالقرى ثمانية عشر منزلاً، وعلى الغابة والمنازل والكل حائط يسمونه سور الغابة، وفي ذلك السور أبواب عظيمة عليها أبراج مسكونة، يسمون تلك الأبواب: الدروب، وغابة قفصة كثيرة النخل والزيتون وجميع الفواكه التي ليس في الدنيا مثلها، فيها تفاح عجيب جليل ذكي الرائحة يسمونه السوسي [4] لا يوجد في بلد مثله، وكذلك الرمان والاترج واللوز لا يوجد مثله في بلد، وفيها نوع من التمر يسمى الكسبا ليس في بلد مثله، وهو أكثر تمرهم، يكون في التمرة فتر، في جرم بيض الدجاج، تكاد تنفذها ببصرك لصفاء لونها ورقة بشرتها، وهم يجعلونه في ازيار، فإذا أخرجوه منها بقي في قعر الزير عسل ألذ من عسل النحل وأعظم وهم يصرفونه في طعامهم كما يصرف العسل، وتعمل منه الحلاوات. وقفصة أكثر البلاد فستقاً، وليس بافريقية فستق إلا فيها، ومنها يجلب إلى بلاد إفريقية وبلاد المغرب والأندلس ومصر، والذي يجلب من بلاد الشام صغير الجرم ليس مثل القفصي، فإن القفصي يكاد يكون في جرم اللوز، وهو إذا كان في شجرته أجمل شيء، فإنه يكون عناقيد مثل عناقيد العنب، وهو ذكي الرائحة لا يقدر أحد أن يسرق منه شيئاً لأنه تنم عليه رائحته.
وفي بساتين [6] قفصة من الرياحين كثير، مثل الآس والياسمين والنارنج والنرجس والسوسن والبنفسج وغير ذلك، ووردها أكثره أبيض، وماؤه أذكى ماء يكون للورد، يشبه الجوري الذي يجلب من بلاد مصر. وتصنع بقفصة أردية وطيالسة وعمائم من صوف في نهاية من الرقة تضاهي ثياب الشرب، وتصنع بها أواني للماء من خزف تعرف بالريحية شديدة البياض في نهاية من الرقة ليس يعلم لها نظير في جميع البلاد، ويصنع بها زجاج حسن وأواني حنتم عجيبة وأواني مذهبة غريبة، وهي حاضرة في جميع أمورها، وأهلها ذوو يسار، وفيهم خير كثير، ولهم صدقات، وهم يعظمون يوم عاشوراء تعظيماً كثيراً، وهو عندهم مثل الأعياد، ولهم فيه

[1] ع ص: بالش.
[2] ع ص: بالش.
[3] الاستبصار: الجنات.
[4] هذه العبارة لم ترد في الاستبصار.
[4] هذه العبارة لم ترد في الاستبصار.
[6] النقل مستمر عن الاستبصار.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم    الجزء : 1  صفحة : 478
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست