اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 467
وطرق السفن منها معلومة لا يدخلها إلا المهرة من رؤساء البحر العالمون بطرقاته، والسير فيه أبداً بالنهار فقط، ولا يسير به في الليل أحد لصعوبة طرقه من تعاريج مسالكه. وكانت القلزم مدينتين وأكثرهما الآن خراب لتسلط العدوّ [1] عليهما وتضييقه الدائم على أهلهما حتى قلت العمارة وخاف القاصد إليهما وفني ما بأيدي أهلهما وضاقت معايشهم، وبين القلزم ومصر تسعون ميلاً، وبالقلزم تنشأ السفن المسافرة في هذا البحر، وتعمل بحبال الليف والدسر وتجلفط بالشحم المتخذ من دواب البحر ودقاق اللبان.
قلس [2] :
صنم كان لطيء ومن يليها بجبلي طيء: سلْمى وأجا فهدمها علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فوجد فيها سيفين: أحدهما الرسوب والآخر المخذم، فأتى بهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فوهبهما له، فهما سيفا علي رضي الله عنه.
القليس [3] :
بناء كان أبرهة الحبشي بناه بصنعاء إلى جنب غمدان، وكتب إلى النجاشي ملك الحبشة: إني قد بنيت لك بصنعاء بيتاً لم تبن العرب ولا العجم مثله، ولن أنتهي حتى أصرف حاج العرب إليه ويتركوا الحج إلى بيتهم. وقيل كتب إليه: قد بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها لملك كان قبلك، ولست بمنته حتى أصرف حاج العرب إليها.
قالوا [4] : وكان بناؤه إياه بحجارة قصر بلقيس الذي بمأرب، وبلقيس صاحبة الصرح الذي ذكره الله تعالى في القرآن في قصة سليمان عليه السلام، وكان سليمان عليه السلام حين تزوجها ينزل عليها فيه إذا جاءها، فوضع أبرهة الرجال نسقاً يناول بعضهم بعضاً الحجارة والآلة حتى نقل ما كان قي قصر بلقيس مما احتاج إليه من حجر أو رخام أو آلة للبناء وجدَّ في بنائه، وإنه كان مربعاً مستوي التربيع، وجعل طوله في السماء ستين ذراعاً، وكبسه من داخله عشر أذرع في السماء فكان يصعد إليه بدرج الرخام، وحوله سور بينه وبين القليس مائتا ذراع يطيف به من كل جانب، وجعل بناء [5] ذلك كله بحجارة يسميها أهل اليمن الجروب، منقوشة مطابقة لا تدخل بين أطباقها الإبرة، مطيفة [6] به، وجعل طول ما بنى به من الجروب عشرين ذراعاً في السماء، ثم فصل ما بين حجارة الجروب بحجارة مثلثة تشبه الشرف مداخلة بعضها ببعض: حجر أخضر وحجر أحمر وحجر أبيض وحجر أصفر وحجر أسود، فيما بين كل ساقين خشب ساسم مدوّر الرأس، غلظ الخشبة خصر [7] الرجُل، ناتئة على البناء وكان مفصلاً بهذا البناء على هذه الصفة، ثم فصل بافريز من رخام منقوش طوله في السماء ذراعان، وكان الرخام ناتئَاً عن البناء ذراعاً، ثم فصل فوق الرخام بحجارة سود لها بريق من حجارة نُقُم جبل صنعاء المشرف عليها، ثم وضع فوقها حجارة صفر لها بريق ثم وضع فوقها حجارة بيض لها بريق، فكان هذا ظاهر حائط القليس وكان عرض حائط القليس ستة أذرع، وذكروا أنهم لا يحفظون ذرع طول القليس ولا عرضه، وكان له باب من نحاس عشر أذرع طولاً في أربع أذرع عرضاً، وكان المدخل منه إلى بيت في جوفه طوله ثمانون ذراعاً في أربعين ذراعاً، معلق العمل بالساج المنقوش ومسامير الفضة والذهب، ثم تدخل من البيت إلى إيوان طوله أربعون ذراعاً، عن يمينه وعن يساره عقود مضروبة بالفسيفساء مشجرة بين أضعافها كواكب الذهب ظاهرة، ثم تدخل من الإيوان إلى قبة ثلاثين ذراعاً في ثلاثين ذراعاً جدرها بالفسيفساء، وفيها صلب منقوشة بالفسيفساء والذهب والفضة، وفيها رخامة مما يلي مطلع الشمس من البلق مربعة عشرة أذرع في عشرة أذرع تعشي عين من نظر إليها من بطن القبة، تؤدي ضوء الشمس والقمر إلى داخل القبة، وكان تحت الرخامة منبر من خشب اللبخ، وهو عندهم الأبنوس، مفصل بالعاج الأبيض، ودرج المنبر من خشب الساج ملبسة ذهباً وفضة وكان في القبة سلاسل فضة، وكان في القبة أو في البيت خشبة ساج منقوشة طولها ستون ذراعاً يقال لها كعيب، وخشبة من ساج نحوها في الطول يقال لها امرأة كعيب، كانوا يتبركون بهما في الجاهلية، وكان يقال لكعيب الأحوزي، والأحوزي بلسانهم الحبر، وكان أبرهة عند بناء القليس قد أخذ العمال بالعمل، أخذاً شديداً، وقد آلى أن [1] نزهة المشتاق: العرب. [2] أخطأ المؤلف في وضع هذه المادة هنا إذ صوباها ((الفلس)) - بالفاء -؛ انظر ياقوت (الفلس) والأصنام: 15. [3] في مجمل الحديث عن القليس انظر السيرة 1: 43، والأصنام: 46، وياقوت: (القليس) . [4] متابع للأزرقي 1: 89. [5] الأزرقي: بين. [6] الأزرقي: مطبقة. [7] الأزرقي: حضن.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 467