اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 443
وفي خبر آخر [1] : قصد سارية بن زنيم فسا ودرابجرد حتى أفضى إلى عسكرهم فنزل عليهم وحاصرهم ما شاء الله، ثم استمدوا فتجمعت عليهم أكراد فارس، فدهم المسلمين أمرٌ عظيم وجمع كبير، ورأى عمر رضي الله عنه في تلك الليلة معتركهم وعدوّهم فنادى من الغد: الصلاةُ جامعة، حتى إذا كان في الساعة التي رأى فيها ما رأى خرج إليهم، وكان أريهم والمسلمون بصحراء إن أقاموا بها أحيط بهم، وإن أرزوا إلى جبل من خلفهم لم يؤتوا إلا من وجه واحد، ثم قام فقال: أيها الناس إني رأيت هذين الجمعين، وأخبر بحالهما، ثم قال: يا سارية، الجبل الجبل، ثم أقبل عليهم وقال: إن لله عزَّ وجلّ جُنوداً، ولعلّ بعضها أن يبلغهم، ولمّا كان تلك الساعة من ذلك اليوم أجمع سارية والمسلمون على الإسناد إلى الجبل، وقاتلوا القوم من وجه واحد فهزمهم الله تعالى، وكتبوا بذلك إلى عمر رضي الله عنه وباستيلائهم على البلاد.
وفي خبر آخر: أن عمر رضي الله عنه قال وهو يخطب يوم جمعة: يا سارية، الجبل الجبل، ثم دعا في خطبته، فعجب الناس لندائه سارية على بعده، وقضى الله سبحانه أن كان سارية وأصحابه في ذلك الوقت مواقفين للمشركين، وقد ضايقهم المشركون من كل جانب، وإلى جانب المسلمين جبل إن لجؤوا إليه لم يؤتوا إلا من وجه واحد، فسمعوا صوتاً يقول: يا سارية بن زنيم، الجبل الجبل، كما قال عمر رضي الله عنه في ذلك الوقت بعينه، فلجؤوا إلى الجبل فنجوا وهزموا العدوّ وأصابوا مغانم كثيرة، وأصاب [2] سارية في المغانم سفطاً فيه جوهر، فاستوهبه المسلمين لعمر رضي الله عنه، فوهبوه له، فبعث به وبالفتح رجلاً وقال له: استقرض ما تتبلغ به وما تخلفه في أهلك على جائزتك، وكان الرسل والوفد يجازون، فقدم الرجل البصرة، ثم خرج فقدم على عمر رضي الله عنه، فوجده يطعم الناس ومعه عصاه التي يزجر بها بعيره، فقصده، فأقبل عليه بها وقال: اجلس، فجلس، حتى إذا أكل انصرف عمر رضي الله عنه وقام الرجل فاتبعه، فظن عمر أنه لم يشبع، فقال حين انتهى إلى باب داره: ادخل، فلما جلس في البيت أتي بغدائه: خبز وزيت وملح جريش، فوضع له، ثم قال للرجل: ادنُ فكلْ، فأكلا حتى إذا فرغا قال له الرجل: رسول سارية بن زنيم، يا أمير المؤمنين، قال: مرحباً وأهلاً، ثم أدناه حتى مَسَّتْ ركبته ركبته، ثم سأله عن المسلمين وعن سارية، فأخبره، ثم أخبره بقصة الدرج، فنظر إليه ثم صاح به وقال: لا ولا كرامة حتى تقدم على ذلك الجيش فتقسمه بينهم، وطرده، فقال: يا أمير المؤمنين، إني أنضيت إبلي، واستقرضت جائزتي، فأعطني ما أتبلغ به، فما زال عنه حتى أبدله بعيره ببعير من إبل الصدقة، وأخذ بعيره فأدخله في إبل الصدقة، ورحل الرجل مغضوباً عليه محروماً حتى قدم البصرة، فنفذ لما أمر به عمر رضي الله عنه، وكان أهل المدينة سألوه عن سارية وعن الفتح، وهل سمعوا شيئاً يوم الوقعة، فقال: نعم سمعنا: يا سارية، الجبل الجبل، وقد كدنا نهلك، فلجأنا إليه ففتح الله تعالى علينا.
الفهمين [3] :
مدينة بالأندلس بالقرب من طليطلة، وكانت مدينة متحضرة حسنة الأسواق والمباني، وفيها بشر ومسجد جامع وخطبة قائمة، وملكها الروم لما ملكوا طليطلة.
فَيْد [4] :
مدينة في نصف الطريق بين مكة وبغداد، وأهلها طيء، وهي في أصل جبلهم المعروف بسلمى.
وفيها مات وكيع بن الجراح [5] منصرفاً من الحج سنة سبع وتسعين ومائة، قال مروان بن محمد الطاطري: ما وصف لي أحد إلا رأيته دون الصفة إلا وكيع بن الجراح، فإني رأيته فوق كل صفة، وما رأيت أحداً أخشع منه.
وبفَيْد نزل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه لما وجهه عمر رضي الله عنه بالجيوش لحرب العراق فأقام بها شهراً، وارتفع بالناس إلى زرود.
وفيد [6] هذه هي التي ينسب إليها حمى فيد، والغالب على فيد التأنيث، وقال لبيد: [1] تاريخ الطبري 1: 2700. [2] الطبري 1: 2702. [3] بروفنسال: 144، والترجمة: 172 (Alfamin) ، والمادة عن الإدريسي (د) : 188، وعند ياقوت (الفهمين) . [4] قارن بياقوت (فيد) ، وابن حوقل: 40، والمناسك: 306، وقد كتب محققه حاشية هامة في التعريف بقيد ومت قاله الجغرافيون الأقدمون فيها، وانظر أيضاً ((أبو علي الهجري)) : 279 عن حنى فيد. [5] لوكيع ترجمة في تاريخ بغداد 13: 468، وتهذيب التهذيب 11: 126. [6] معجم ما استعجم 3: 1032.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 443