اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 434
ابن طريف إلى الرشيد سفرجلاً ورماناً ففضلهما، ورمانها إمليسي، وحمل إليه منها آلة للَّهْوِ يُقال لها الزنج تشبه الصنج، له سبعة عشر وتراً [1] فلما استحضره قال: من لنا بمن يضرب به. فقال: لم أحمله إليك إلا وقد تعلمته، فدعا [2] به وأمره بالضرب وأحضر وصيفة تسقيهما، فضرب على الزنج ونظر إلى الوصيفة ثم غنى:
ممكورة الساقين صفر الحشا ... خلخالها يسقط من رجلها
لا والذي أصبحتُ عبداً له ... ما نظرتْ عيني إلى مِثْلها
ممشوقة كالغصن ميالة ... جارية أفرق من ظلها فقال له الرشيد: لا تفرق من ظلها يا معلى، هي لك، خذها وانصرف إلى عملك، ولست أعزلك عنه ما حييت [3] ، فرجع وبنى قصر المعلى واتخذ بها ضياعاً.
الفارياب [4] :
مدينة من الجوزجان أصغر من الطالقان قطراً، وهي أكثر خلقاً وأوفر عمارة وبساتين ومياهاً جارية، وفيها طرز وصنائع وتجار مياسير، وبها مسجد جامع.
وكان أهل الفارياب [5] قد جمعوا للأحنف بن قيس حين وجهه إليهم ابن عامر في أربعة آلاف فلقوه في ثلاثين ألفاً، ثلاثة زحوف فهزمهم الله تعالى ونصر المسلمين. فاس[6] :
مدينة عظيمة، وهي قاعدة المغرب، وهما مدينتان مقترنتان يشق بينهما نهر كبير يسمى وادي فاس، يأتي من عيون تسمى عيون صنهاجة، وفي كل زقاق ساقية يجرونها متى شاءوا، وفي كل دار صغيرة كانت أو كبيرة ساقية ماء، وبين أهل المدينتين فتن ومصاولات، وفيهما معاً ضياع ومعايش ومبان سامية وقصور، ولأهلها اهتمام بحوائجهم، ونعمها كثيرة، والحنطة بها رخيصة، وفواكهها كثيرة، وخصبها زائد، وفي أهلها عزة ومنعة، ومنها إلى سجلماسة ثلاث عشرة مرحلة.
وبالجملة فمدينة فاس[7] قطب بلاد المغرب الأقصى ويسكن حولها قبائل من البربر، لكنهم يتكلمون بالعربية، فهي حضرة المغرب الكبرى وإليها تشد الركائب وتقصد القوافل، وتجلب إلى حضرتها كل غريبة من الثياب والبضائع والأمتعة، وأهلها مياسير ولها من كل شيء حسن أوفر حظ.
ويدور عليها سور عظيم، وبين المدينتين قناطر كثيرة، وتطَّرِد فيها جداول لا تحصى تخترق كلتا المدينتين، وفيها عيون كثيرة لا تحصى، وهي أبداً تتزيد في مواضع الانخفاض من المدينة، وفيها أرحاء للماء نحو ثلثمائة وستين رحىً يضمها السور، سوى الأرحاء التي خلف السور، وهي في التزيد، وربما وصلت أربعمائة، والنهر الذي يخترق مدينتي فاس ينبعث من عين عظيمة لها منظر عجيب، فيها نحو الستين فوارة في دائرة يجتمع منها هذا النهر الكبير، بينها وبين المدينة نحو عشرة أميال في بساط من الأرض لا يكاد يتبين جري الماء فيه لاستواء أرضه.
ومدينة فاس[8] محدثة، أسست عدوة الأندلسيين في سنة اثنتين وتسعين ومائة، وعدوة القرويين في سنة ثلاث وتسعين ومائة، في ولاية ادريس بن ادريس الفاطمي، ومن ذريته بقايا إلى اليوم [9] ، ومدينة فاس اليوم في نهاية العمارة والصلاح، قد بنيت أكثر جنانها الملاصقة لها دوراً وأضيفت إليها، وفيها اليوم ثلاثة جوامع بثلاث خطب، جامع عدوة الأندلس، وهو جامع كبير متقن البناء، يقال إن ابن أبي عامر زاد فيه، وجامع عدوة القرويين أكبر من جامع عدوة الأندلس، وزيد في العهد القريب في هذا الجامع باب كبير مشرف جميل المنظر من جهة الجوف، وسقاية متقنة البناء ملاصقة له، ماؤها من الوادي، وجلب لها ماء عين هو في أيام الحر في نهاية البرد، وفي أيام البرد فيه بعض [1] قال المسعودي (المروج 8: 90) وكان غناء أهل خراسان وما والاها بالزنج وعليه سبعة أوتار وإيقاعه يشبه إيقاع الصنج. [2] ص ع: فهلا. [3] ص ع: جيته. [4] قارن بياقوت (فارياب) ، والمؤلف ينقل عن نزهة المشتاق: 144. [5] انظر الطبري 1: 2897. [6] الإدريسي (د/ ب) : 75/ 50، وقارن بالبكري: 115 وما بعدها، في كل المادة، وابن الوردي: 14، وفي صبح الأعشى 5: 154، نقل عن الروض. [7] الإدريسي (د/ ب) : 79 53. [8] الاستبصار: 180. [9] يعني في عهد صاحب الاستبصار، وعلى وجه الدقة سنة 587.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 434