اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 43
فاستجلبه من العراق فأقبل إلى الأندلس، فلما وصل إلى المرية مات الحكم فانعكس أمله وبقي حائراً، وكان مقلاً ثم نهض إلى قرطبة حضرة السلطان ونشر بها علمه، فشرق فقهاؤها بمكانه وبقي مدة مضاعاً حتى هم بالانصراف إلى المشرق، ثم علق بحبل محمد بن أبي عامر قيم الدولة الهشامية وكان عرف مكانه في العلم وبعد أثره فيه، فرغب في اصطناعه وأجرى عليه الرزق فنعشه [1] به ثم أخرج أمر السلطان بتقديمه للشورى ثم ولي قضاء سرقسطة، وكان من حفاظ مذهب مالك إلا أنه على مذهب العراقيين من أصحابه، ومن تواليفه " الدلائل على أمهات المسايل " توفي سنة اثنتين وسبعين وثلاثمائة على أثر موت ابن أبي عامر.
اصبهان
ليست هذه الباء بخالصة ولذلك يكتبها بعض الناس بالفاء وهي مكسورة الأول، سميت بأصبهان بن نوح وهو الذي بناها، وقيل سميت اصبهان لأن اصبه بلسان الفرس البلد وهان الفرس، معناه بلد الفرسان. ولم يكن يحمل لواء الملك منهم إلا أهل اصبهان لنجدتهم وكانوا معروفين بالفروسية والبأس، وهي من بلاد فارس، وهما مدينتان بينهما مقدار ميلين إحداهما تعرف باليهودية وهي أكبرهما، والثانية تعرف شهرستان وفي كل واحد منهما منبر، واليهودية مثلاً شهرستان في المساحة، وهما أخصب مدن الجبال وخراسان.
وذكر ابن سعيد أن اصبهان اثنتا عشرة مدينة [2] بعضها قريب من بعض والمتميزة منها بالشهرة جي وشهرستان واليهودية.
وكان الططر قد قاسوا عليها زحوفاً لم يقاسوها على غيرها من بلاد الإسلام إلى أن نشأ بين رئيس الشفعوية ورئيس الحنفية فتنة فقتل الشفعوي الحنفي وسما ابن الحنفي لطلب الثأر فسار إلى الططر وضمن لهم أن الحنفية معه، فأرسلوا معه جمعاً عظيماً فكان ذلك سبباً لأن غلبوا عليها فأبقوا على الحنفية وأفنوا الشفعوية وهدموا ديارهم وأحرقوا أملاكهم.
وكور أصبهان ثمانون فرسخاً في مثلها وهي بضعة عشر رستاقاً، والرستاق الإقليم بلغتهم، وفي كل رستاق ثلاثمائة وستون قرية، وليس بالعراق إلى خراسان بعد الري مدينة أكبر من اصبهان ومنها يرتفع العتابي والوشي وسائر ثياب الابريسم والقطن إلى الآفاق، وبقرب اصبهان معدن الكحل وهو الاثمد مصاقب لفارس، ومن اصبهان يتجهز به إلى كل بلد ومدينة اصبهان أكثر البلاد يهوداً، وفي الخبر: يتبع الدجال من مدينة اصبهان أكثر من أربعين ألفاً عليهم الطيالسة.
ومن أهل اصبهان داود بن علي بن خلف الأصبهاني [3] قيل كان في مجلسه أربعمائة صاحب طيلسان أخضر، وكان من المتعصبين للشافعي، وصنف كتابين في فضائله، وإليه انتهت رياسة العلم ببغداد. ومنها أيضاً أبو الفرج الأصبهاني صاحب الكتاب الكبير في الأغاني كان عالماً حافظاً.
وبأصبهان لقي قحطبة أحد أكابر قواد السفاح عامر بن ضبارة فقتله في سنة إحدى وثلاثين ومائة وكان في مائة ألف وخمسين ألفاً، وكان قحطبة في اثنين وثلاثين ألفاً فبلغت عدد الرؤوس من السبي التي جمعت لقحطبة من أصحابه عشرين ألفاً وصار في يديه من ذراريهم عشرون ألفاً إلى غير ذلك من الأمور الجليلة. اصطخر
مدينة من كور فارس ولها نواح، وهي مدينة كبيرة جليلة كثيرة الأرزاق والتجارات بناؤها بالطين والحجارة والجص، وهي أقدم مدن فارس وأشهرها اسماً، وكانت دار ملوكها إلى أن ولي ازدشير الملك فنقل ملكهم إلى جور وجعلها دار الملك. ويروى أن سليمان عليه السلام كان يسير من طبرية إليها في غدوة أو عشوة، وبها مسجد يعرف به، وباصطخر قنطرة تسمى قنطرة خراسان وهي قنطرة حسنة، وخارج القنطرة أبنية ومساكن بنيت في عهد الإسلام، ومن اصطخر إلى شيراز ستة وثلاثين ميلاً، وهواء اصطخر فاسد وخيم، وبها تفاح يكون نصف التفاحة حلواً صادق الحلاوة والنصف الآخر حامضاً صادق الحموضة وفي الأخبار المشهورة التي ينقلها الناس أن سليمان عليه السلام كان يغدو من اصطخر فيتغدى ببيت المقدس ويروح من بيت المقدس فيتعشى باصطخر، وذكر أن منزلاً بناحية دجلة مكتوب فيه: نحن نزلناه وما بنيناه ومبنياً وجدناه عدونا من اصطخر نقلناه ونحن رائحون فآتون الشام إن شاء الله تعالى.
وكان باصطخر بيت نار معظم والناس يذكرون أنه مسجد [1] ع ص: فبعثه. [2] نص قول ابن سعيد (بسط الأرض: 94) وهي 12 محلة كل محلة منها كالمدينة المفردة. [3] ابن خلكان 2: 255.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 43