اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 426
قالوا [1] : وغانة سمة لملوكها، وهما مدينتان إحداهما يسكنها الملك والأخرى يسكنها الرعية والتجار والسوقة، والدور والمساكن نحو ستة أميال متصلة. وفي مدينة الرعية جامع كبير ومساجد كثيرة، وفيها الأئمة والمؤذنون والفقهاء والعلماء، وحواليها آبار عذبة منها يشربون وعليها يعملون الخضر والمقاثي. ومدينة الملك تسمى الغانة [2] ، وللملك بها قصر عظيم وقباب، قد أحاط بذلك كله حائط مثل السور، وعلى مقربة من مجلس حكم الملك وحول قصره قباب وغابات شعراء يسكنها أهل ديانته، وفيها قبور ملوكهم، ولها حرس فلا يمكن أحداً من الغرباء دخولها ولا معرفة ما فيها، وهناك سجون الملك، فإذا سجن أحداً انقطع خبره. وفي مدينة الملك مسجد يصلّي فيه من يفد عليه من تجار المسلمين، والملك يجلس للناس للحكم في قبة عظيمة، وأمام القبة عشرة أفراس من عتاق الخيل، عليها الجلال المذهبة من الحرير والديباج على قلتها في بلادهم. والملك يتحلى بحلي النساء في عنقه وذراعيه. ويحمل على رأسه طرطوراً مذهباً ويعمم عليه عمامة قطنية. وعن يمينه ويساره أبناء الملوك والوزراء وخاصته من أعيان بلده، قد ضفروا رؤوسهم بالذهب والجوهر، عليهم الثياب الرفيعة، ولا يلبس ثوباً مخيطاً من أهل دينه إلا هو وولي عهده، ومَنْ سواهما يلبسون ملاحف الحرير والديباج، وسائر أهل بلده يلبسون ملاحف القطن. والملك وسائر أهل بلده الذين على ديانته يحلقون لحاهم، ونساؤهم يحلقن رؤوسهن. ولا يولي الملك عهده إلا لابن أْخته، فإنه لا يشك فيه أنه ابن أخته، وهو يشك في ابنه، ولا يقطع بصحة اتصاله به. وإذا جلس الملك في قبته لمظالم الناس ينذرون لجلوسه بطبل عظيم يسمونه دَي [3] وهو خشبة طويلة منقورة قد جلدوها لها صوت هائل يجتمع الناس إليه، فإذا دنا منه أهل دينه جثوا على ركبهم وحثوا التراب على رؤوسهم، وأما المسلمون فتحيتهم عليه تصفيق باليدين،، وجلوس الوزراء أمامه إنما هو على الأرض تواضعاً للملك. وإذا مات الملك عملوا له قبة من خشب الساج عظيمة مذهبة، ووضعوها في موضع قبره ثم حملوه على سرير وأدخلوه في القبة، ووضعوا معه أوانيه التي كان يأكل فيها ويشرب، وأدخلوا معه الأطعمة والأشربة وكل من كان يخدم طعامه وشرابه، وأغلقوا عليهم باب القبة وجعلوا فوقها الحصر والأمتعة واجتمع الناس فردموا فوق القبة بالتراب حتى يأتي الموضع مثل الجبل الضخم ثم يحفرون حوله حفيراً عظيماً وعراً حتى لا يوصل إلى ذلك الكوم ولا إلى شيء منه إلا من موضع واحد.
ولملك غانة مملكة واسعة نحو الشهرين في مثلها، وفي بلاده يوجد الذهب الكثير، وهو يعم جميع بلاد الدنيا، وأفضل الذهب بمملكته ما كان ببلد غيارو [4] ، وبينها وبين غانة نحو عشرين يوماً في عمارة متصلة بقبائل من السودان لا يحصى لهم عدد، وإذا وجد في جميع بلاد هذا الملك الندرة [5] من الذهب استصفاها الملك لنفسه ولم يتركها تخرج من بلاده لغيره، والندرة تكون من أوقية إلى رطل وإنما يتركون أن يخرج من بلادهم من الذهب ما كان دقيقاً، ولو تركوا كل ما يوجد في المعادن يخرج من بلادهم لكثر الذهب بأيدي الناس ولهان، ويذكر أن عند ملك غانة ندرة ذهب كالصخرة، وقد ذكر أن عند بعض ملوك السودان من هذه الندرات حجر عظيم يجعل أمامه، فإذا ورد عليه رسل من غيره من الملوك أمر بفرسه فربطت إليه ليباهي بذلك.
وخيل غانة قصار جداً، وعندهم الأبنوس الجيد المجزع وهم يزدرعون مرتين في العام: مرة على النيل إذا خرج عندهم وأخرى على الثرى، وملك غانة إذا احتفل انتهى جيشه مائتي ألف، منها رماة أربعون ألفاً.
غاردة:
حصن عظيم بينه وبين مدينة برونه من مدن لنقبرده عشرون ميلاً، وهو معقل حصين إلى أبعد غاية، وفيه كانت أموال ملوك لنقبرده في الأزمان السالفة. حدَّث من رأى فيها جعاباً عظيمة مثل كبار التراس لا يقلّها إلا رجلان وأكثر. وحصن غارده هذا على بحيرة عذبة الماء طولها مجرى ثلاثة أيام وعرضها مجرى يوم، وهي كثيرة السمك جليلته. غافق[6] :
بالأندلس بقرب حصن بِطْرَوش وهو حصن حصين ومعقل جليل، في أهله نجدة وحزم وجلادة وعزم، وكثيراً ما تسري [1] الاستبصار: 219. [2] الاستبصار: الغابة. [3] الاستبصار: دبا. [4] الاستبصار: غياروا، وكذلك عند البكري: 177. البكري (مخ) : 31. وعند الإدريسي (د) : 905: غيارة، وسيأتي حديث المؤلف عنها بعد مادّتي ((غاردة)) و ((غافق)) . [5] اضطربت كتابة هذه اللفظة في ص ع بين: النورة، الندرة، البدرة. [6] بروفنسال: 139، والترجمة: 126، ومعظمه عن الإدريسي (د) : 213.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 426