اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 420
ورفع السيف عليها، فاستجارت مجاعة فألقى عليها رداءه وقال: إني جار لها فنعمتِ الحرة، وعيّرهم وسبهم وقال: تركتم الرجال وجئتم إلى امرأة تقتلونها عليكم بالرجال، فانصرفوا.
قال وحشي: اقتتلنا قتالاً شديداً فهزموا المسلمين ثلاث مرات، وكرَّ المسلمون في الرابعة، وتاب الله عليهم وصبروا لوقع السيوف حتى رأيت شهب النار تخرج من خلالها، حتى سمعت لها أصواتاً كالأجراس، وأنزل الله تعالى نصره وهزم بني حنيفة وقُتِل مسيلمة. قال: ولقد ضربت يومئذ بسيفي حتى غرق قائمه في كفي من دمائهم، وأشرف عمار على صخرة يصيح: يا معشر المسلمين أَمِنَ الجنة تفرون، أنا عمار بن ياسر هَلُمّوا إليّ.
قال شريك الفزاري: لما التقينا والقوم، صبر الفريقان صبراً لم ير مثله قط ما تزل الأقدام فتراً، واختلفت السيوف بينهم، وجعل أهل السوابق والنيات يتقدمون فيقتتلون حتى فنوا، ولقد أحصيت لنا ثلاث انهزامات، وما أحصيت لحنيفة إلا انهزامة واحدة، التي ألجأناهم فيها إلى الحديقة، حديقة الموت، وجماعة الناس أربعة آلاف، وحنيفة مثل ذلك، فلما التقينا أذن الله للسيوف فينا وفيهم، فجعلت السيوف تختلي هام الرجال وأكفهم، وجراحاً لم أر جراحاً قط أبعد غوراً منها فينا وفيهم، ثم اقتحمنا الحديقة فضاربوا فيها وغلقنا الحديقة وأقاموا على بابها رجالاً لئلا يهرب منهم أحد، فلما رأوا ذلك عرفوا أنه الموت فجدوا في القتال، ودكت السيوف بيننا وبينهم، ما فيهم رمي بسهم ولا حجر ولا طعن برمح حتى قتلنا عدو الله مسيلمة، وهذا لباب الخبر ومقصوده، وإلا فالقصة أطول من هذا.
عسكر مكرم [1] :
مدينة بقرب الأهواز كبيرة عامرة على نهر المسرقان، وفيها التجار وأخلاط من الناس، وفيها أسواق وأرزاق وصناعات، ولها مزارع متصلة، وبها صنف من العقارب إذا لسبت قتلت لحينها، وبين عسكر مكرم وتستر مرحلة، وبينها وبين رامهرمز مرحلتان، وبينها وبين الأهواز مرحلة.
وكان الحجاج قد بعث مكرم بن جعونة فنزل موضع عسكر مكرم اليوم، فبه سمي الموضع [2] . عسكر المهدي[3] :
هو في الجانب الشرقي من بغداد، وكان المنصور لما ابتنى بغداد نزل ابنه المهدي وهو ولي عهد بالجانب الشرقي من بغداد سنة ثلاث وأربعين ومائة، فاختط المهدي قصوره [4] بالرصافة وابتنى المسجد الجامع الذي بها وحفر نهراً يأخذ من النهروان سماه نهر المهدي يجري في هذا الجانب، وهذا الجانب يعرف بعسكر المهدي، وقسمت فيه القطائع وتنافس الناس فيه لمحبتهم للمهدي وتوسعته عليهم، ولأنه كان أوسع الجانبين أرضاً.
وكان الرشيد ولى أبا البختري وهب بن وهب [5] القضاء بعسكر المهدي ثم ولاه مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم، وجعل إليه حربها مع القضاء، وكان الرشيد أرسل إليه بنوقالة فيه ماء أو فقاع مبرد، فقال له الرسول: يقول لك أمير المؤمنين هذا بارد وقد آثرتك به، فقال أبو البختري لخادمه: هات الألفي الدينار اللذين عندك، فجاء بهما فوهبهما لخادم الرشيد، فقال له الرشيد: ما هذا السرف؟ أوجّه إليك بشربة باردة فتعطي الخادم ألفي دينار؟! قال: يا أمير المؤمنين، جاءني بما آثرتني به على نفسك وولدك أفأستكثر له ألفي دينار، والله لو ملكت أضعافها لدفعتها إليه، فأمر له الرشيد بعشرة آلاف دينار.
عسقلان [6] :
مدينة بالشام، بينها وبين فلسطين مرحلة، وهي الآن عامرة بأيدي الروم، وهي على ساحل البحر، فتحها معاوية على صلح سنة ثلاث وعشرين. وعسقلان بينها وبين الرملة ستة فراسخ، وأسواقها مفروشة بالرخام، وفيها عين ماء لإبراهيم عليه السلام، وبينها وبين غزة أربعة فراسخ.
وعسقلان [7] مدينة حسنة ذات سورين، وليس لها من خارجها بساتين ولا شجر بها، وتغلَّب عليها الروم سنة ثمان وأربعين وخمسمائة، وهي معدودة في أرض فلسطين. [1] نزهة المشتاق: 123. [2] عند ياقوت: مكرم بن معزاز أحد بني جعونة بن الحارث، قال: وقيل بل مكرم مولى للحجاج. [3] اليعقوبي: 251 وما بعدها، وقارن بياقوت (عسكر المهدي) ، وابن خلكان 4: 351 (ترجمة: محمد بن عمر الواقدي) . [4] اليعقوبي: قصره. [5] كان أبو البحتري فقيهاً إخبارياً جوّاداً يحب المديح ويثب عليه العطاء الجزيل، وقد عرف عنه الوضع في الحديث، توفي سنة 200 ببغداد (ابن خلكان 6: 37 وفي الحاشية مصادر أخرى لترجمته) . [6] قارن بياقوت (عسقلان) ، وابن الوردي: 25. [7] نزهة المشتاق: 113.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 420