responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم    الجزء : 1  صفحة : 390
فخرج رجل من بني مدلج ذات يوم من معسكر عمرو متصيداً في سبعة نفر، فمضوا بغرب المدينة، ولم يكن فيه بين البحر والمدينة سور، وكانت سفن البحر شارعة في مرساها إلى بيوتهم، فنظر المدلجي وأصحابه فإذا البحر غاض من ناحية المدينة، فدخلوا منه حتى أتوا من ناحية الكنيسة فكبروا، فلم يكن للروم مفزع إلا سفنهم، وأقبل عمرو بجيشه حتى دخل عليهم، فلم يفلت الروم إلا بما خف لهم في مراكبهم، وغنم عمرو ما كان في المدينة. وإنما بنى سور مدينة طرابلس هرثمة بن أعين في حين ولايته. ولمدينة طرابلس فحص يسمى سوفجين [1] ، وهم يقولون: فحص سوفجين يصيب سنة في سنين. ومن طرابلس إلى جبل نفوسة مسيرة ثلاثة أيام، وجبل نفوسة على ستة أيام من القيروان، وطول الجبل من المشرق إلى المغرب ستة أيام.
وكان طاغية صقلية [2] طرقها واستولى عليها في سنة أربعين وخمسمائة ثم استرجعها المسلمون، وحكم عليها أيضاً قراقش الغزي سنة ست وثمانين وخمسمائة، ثم دخل في طاعة المنصور يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن خليفة مراكش.
وطرابلس [3] أيضاً مدينة بالشام عظيمة، عليها سور صخر منيع، ولها رساتيق وأكوار وضياع جليلة، وبها من شجر الزيتون والكروم وقصب السكر وأنواع الفواكه وضروب الغلات الشيء الكثير، والوارد والصادر إليها كثير، والبحر محدق بها من ثلاثة أوجه، وهي معقل من معاقل الشام، وتقصد بضروب الغلات والأمتعة والتجارات، وتضاف إليها عدة قلاع وحصون داخلة في أعمالها وحوالي مدينتها أشجار الزيتون.
وهو كان أطيب بلاد الشام ثماراً فسكنه قوم أذنبوا وأسرفوا فأمطرهم الله النار والكبريت [4] ، فصار حينئذ رماداً، حتى الآن ترى فيها آثار النار في أرضها وأشجارها، وتنبت ثماراً تخالها طيبة فإذا عض عليها العاض ثار منها دخان وصارت رماداً.
طرابنش [5] :
آخرها شين معجمة، بجزيرة صقلية، والنصارى يسمونها أطرابنه، وبينها وبين مرسى علي ثلاثة وعشرون ميلاً، وهي مدينة قديمة مسورة بيضاء كالحمامة، وبينها وبين مدينة تونس مسيرة يوم وليلة، والسفن منها وإليها لا تتعطل شتاء ولا صيفاً، وبها السوق والحمّام وجميع ما يحتاج إليه من مرافق المدن، لكنها في لهوات البحر لاحاطته بها من جهاتها الثلاث، وأدنى البر منها من جهة واحدة ضيقة، والبحر فاغر فاه لها من سائر الجهات، وأهلها يرون أنه لا بد من التقامه لها، ومحرثها عظيم، وكان سكانها مسلمين ونصارى، وللفريقين فيها مساجد وكنائس، وبركنها من جهة المشرق جبل حامد، وهو جبل عظيم مفرط السمو متسع في أعلاه فيه معقل للروم، وبينه وبين الجبل قنطرة تتصل به، وفي الجبل بلد كبير يقال إن حريمه من أحسن حريم هذه الجزيرة، وبهذا الجبل الكروم، ويقال إن فيه نحواً من أربعمائة عين متفجرة، والصعود إليه هين من إحدى جهاته، وهم يرون أن منه يكون فتح هذه الجزيرة فلا يتركون مسلماً يصعد إليه، ولذلك أعدوا فيه ذلك المعقل، فلو أَحسّوا بحادثة جعلوا حريمهم فيه وقطعوا القنطرة. وطرابنش هذه في البسيط لا ماء لها إلا من بئر على البعد منها.
والبحر يحدق [6] بها من جميع جهاتها، وإنما يسلك إليها على قنطرة، ومرساها في الجانب الجنوبي منها، وهو مرسى ساكن غير متحرك تشتي فيه أكثر السفن آمنة من جميع الأنواء، موْجه هادٍ عند هيجان الرياح، ويصاد به السمك الكثير، ويؤخذ بها التن بشباك كبار، ويوجد ببحرها المرجان السنيّ، وعلى بابها سباخ الملح، ولها إقليم واسع الجهات، وأرضها من أكرم الأرضين في الزراعة، كثيرة الفوائد والغلات، وأسواق المدينة رحيبة، ومعايشها خصيبة، وبقربها جزيرة الراهب وجزيرة اليابسة وجزيرة مليطمة. وطرابنش يسافر إليها في أيام الشتاء لجودة مرساها واعتدال بحرها وهوائها، وبينها وبين جبل حامد نحو عشرة أميال.
طرنش [7] :
من أشرف مدائن افرنجة، ولها موسم عظيم في الخريف يتصل ثمانية أيام، وليس هناك موسم أعظم منه، ويجتمع

[1] البكري: سوبجين.
[2] ينظر إلى ما جاء عند الإدريسي، وعن قراقش إلى ما ذكره صاحب الاستبصار.
[3] نزهة المشتاق: 117.
[4] ص: فأمطرهم الله النار في أرضها وأشجارها والكبريت.
[5] رحلة ابن جبير: 334 (أطرابنش) ؛ وراجع مادتي ((اطرابنش)) و ((حامد)) .
[6] الإدريسي (م) : 33.
[7] لعله من الممكن التعرف عليها في (Tours) حيث كنيسة شنت مرتين، وبذلك يمكن أن تكون: (طرش) .
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم    الجزء : 1  صفحة : 390
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست