اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 389
واحتلت ثغور الشام الأدنى إلا من رضي بأداء الجزية من المسلمين وعمرت طرسوس وما والاها بالروم فلما كان سنة سبع وخمسين وثلثمائة زحف ابن نوح صاحب خُراسان بعساكر جرارة إلى طرسوس وأوقع بالروم وهزمهم، وجاوز الدرب إلى أرض القسطنطينية فالتقى جيوش المشركين وعليهم ابن الشمشكي بطريق نقفور، فمنح الله تعالى المسلمين النصر عليهم، ولم ينج ابن الشمشكي إلا وحيداً، ثم جهز نقفور جيشاً آخر احتفل فيه لنصر ابن الشمشكي، فكان خلاف ما أمله، وصاروا بعد الطعن والضرب والمجالدة بالسيوف إلى المعانقة والمغافصة بالأيدي والتناصي بالشعور فما حجز بينهم إلا الليل، وثبت المسلمون في مصافهم، وباتوا على ظهور دوابهم، وناجزوهم بجد وحزم فإذا الأرض قد غصت بجثثهم، ولا أثر لمن بقي منهم ولا عين، قد تفرقوا في جنح الليل، وافتتح ابن نوح قلاعاً كثيرة مما كان تغلب عليها الطاغية، منها مرعش وغيرها.
طُرَيْثيث [1] :
بينها وبين نيسابور ثلاث مراحل، منها أحمد بن علي الطريثيثي، روى عن أَنَس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم من الأنصار يتجر بمال له ولغيره، ويضرب به الآفاق، وكان ناسكاً ورعاً فخرج مرة فلقيه لص مقنعاً في السلاح فقال له: ضع ما معك فإني قاتلك، قال: وما تريد إلى دمي؟ شأنك بالمال قال: إن المال لي فلست أريد إلا دمك، فقال: أما إذ أبيت فذرني أصلّي ركعتين، قال: صلَ ما بدا لك، فتوضأ ثم صلَى أربع ركعات، فكان من دعائه في آخر سجدة أن قال: يا ودود يا ودود يا ذا العرش المجيد يا فعّال لما يريد أسألك بعزك الذي لا يرام وملكك الذي لا يضام، وبنور وجهك الذي ملأ أركان عرشك أن تكفيني شرّ هذا اللص، يا مغيث أغثني، ثلاث مرّات، فإذا هو بفارس قد أقبل بيده حربة وضعها بين أذني فرسه، فلما بصر به اللص أقبل نحوه، فطعنه فقتله، ثم أقبل إليه فقال: قم، ثم قال: من أنت بأبي أنت وأمي، فقد أغاثني الله بك، قال: أنا ملك من السماء الرابعة، دعوت بدعائك الأول، فسمعت لأهل السماء قعقعة، ثم دعوت بدعائك الثاني فسمعت لأهل السماء ضجة، ثم دعوت بدعائك الثالث فقيل لي: دعاء مكروب، فسألت الله تعالى أن يوليني قتله، قال أنس رضي الله عنه: فاعلم أن من توضأ وصلَى أربع ركعات ودعا بهذا الدعاء استجيب له، مكروباً كان أو غير مكروب. طرسونة[2] :
بالأندلس كانت مستقر العمال والقوّاد بالثغر، وكان أبو عثمان عبيد الله بن عثمان المعروف بصاحب الأرض اختارها محلاً وآثرها على مدن الثغور منزلاً، وكانت ترد عليه عشور مدينة أربونة وبرشلونة. ثم عادت طرسونة من بنات تطيلة عند تكاثر الناس بتطيلة وإيثارهم لها، لفضل بقعتها واتساع خطتها، وبينهما اثنا عشر ميلاً.
طرابلس:
من مدن إفريقية، وهي [4] مدينة كبيرة أزلية على ساحل البحر يضرب في سورها، وهو من حجر جليل من بناء الأول، قيل وتفسير طرابلس ثلاث مدن وقيل مدينة الناس [5] ، وبها أسواق حافلة وحمامات كثيرة، وفي شرقيها بساتين كثيرة فيها فواكه كثيرة وخيرات جمة، وأهلها تجار يسافرون براً وبحراً، وهم أحسن الناس معاملة بضدّ أهل سرت، وداخل سورها بئر تعرف ببئر أبي الكنود، يقال إنه من شرب من مائه حمق، فهم يعيرون به، فيقال للرجل منهم إذا أتى ما يلام عليه: لا عتب عليك لأنك شربت من بئر أبي الكنود. ومن طرابلس إلى جبل نفوسة ثلاثة أيام، وطرف هذا الجبل الخارج في البحر هو طرف أوثان ما بين طرابلس والاسكندرية، وهذا الطرف الخارج في البحر إذا عدّته المراكب استبشرت بالسلامة، ومن هذه المدينة تعد بلاد إفريقية.
وبينها وبين سرت عشر مراحل، وفيها رباطات كثيرة يأوي إليها الصالحون.
وذكر الليث بن سعد قال [6] : غزا عمرو بن العاصي رضي الله عنه مدينة طرابلس سنة ثلاث وعشرين حتى نزل القبة التي على الشرف من شرقها، فحاصرها أشهراً لا يقدر منهم على شيء، [1] قارن بياقوت (طُرَيْثيث) وانظر في ضبطها ابن خلكان 4: 244. [2] بروفنسال: 123، والترجمة: 150 (Tarazona) ، وقارن بياقوت (طرسونة) . [4] الاستبصار: 110، وقارن بالبكري: 6 - 9 (أطرابلس) ، والإدريسي (د/ ب) : 121/ 89. [5] الاستبصار: إياس؛ البكري: أناس؛ ولعل الصواب: ((أُياس)) احتفاظاً بالشكل القديم للأسم (Oea) . [6] البكري: 8، وقارن بابن عبد الحكم: 171، والكندي: 10، وياقوت (طرابلس) .
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 389