responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم    الجزء : 1  صفحة : 388
طرسوس [1] :
مدينة بالشام حصينة، عليها سوران بينهما فصيل وخندق، ويجري الماء حواليها. وفي سنة سبعين ومائة [2] بني سور طرسوس على يد أبي مُسْلِم فرج الخصي [3] التركي، وجّهه مولاه هارون الرشيد لذلك، وأنزلها الناس عام ولي الخلافة، في جيش كثيف وعسكر ضخم إلى الثغور، وأمره أن يبني مدينة طرسوس في المرج الذي في سفح الجبل، ولم يكن هناك بناء قط، وأن يجعل النهر يشق وسطها، فابتدأ بناءها في جمادى سنة سبعين ومائة، فخطَّ بها سبعة وثمانين برجاً مستديرة ومربعة، على كل برج عشرون شرفة، وبين كل برجين ست وخمسون شرفة، عرض الشرفة ذراعان ونصف في ارتفاع مثل ذلك، وحوالي سورها فصيل واسع متقن مرتفع السمك، وخلف الفصيل خندق عريض عميق مبني بالصخر من أعلاه وأسفله مفروش كله بالصخر، ولها خمسة أبواب: باب الجهاد، وهو الباب الذي يخرج منه إلى المرج الذي يعسكر فيه أمراء الطوائف، وباب الصفصاف، وبين هذين البابين مدخل النهر الأعظم، وعلى مدخله شباك حديد وثيق مفرط العظم، وباب الشام ومنه يدخل زقاق أذنة والمصيصة والشام، وباب كذا وباب البحر، وعنده مخرج النهر ومصبّه في البحر، وهناك أيضاً شباك حديد مثل الذي عند مدخله، وباب يعرف بالباب المسدود ولم يفتح قط وعلى النهر داخل المدينة قنطرتان عظيمتان إحداهما تعرف بباب الصفصاف، وأخرى تعرف بباب البحر، فكمل بناؤها في سنة اثنتين وسبعين ومائة، وسكنها المجاهدون والمرابطون واختطت بها الخطط والمنازل سنة ثلاث وسبعين ومائة، فلم تبن مدينة أعظم غناء عن الإسلام ولا أشد نكاية على الكفرة، ولا أجمع للمجاهدين ولا أبعد صوتاً، ولا أجل مرأى، ولا أتقن بناءً منها. فلما نزل الرشيد طرسوس أفرد الثغور من الجزيرة والشام، وسمى الثغور الشامية والثغور الجزرية، ونهرها يأتي من جبل الروم حتى يشق وسطها.
ولي قضاءها أبو عبيد القاسم بن سلام وفيها دفن المأمون بن الرشيد وكان خرج غازياً فمرض بعين البذندون فمات هناك، فحمل إلى طرسوس فدفن بها، وفي ذلك يقول أبو سعيد المخزومي [4] :
ما رأيت النجوم أغنت عن المأ ... مون شيئاً وملكه المأسوسِ
خلفوه بعرصتي طرسوس ... مثلما خلفوا أباه بطوس وذكر الحسين بن الضحاك قال: استحضر المأمون الجلساء والمغنين آخر جلسة جلسها بدمشق، وقد عزم على الخروج إلى البذندون، وقال لمخارق وعلويه: غنّيا، فسبق مخارق فغنى بشعر جرير:
لما تذكرت بالديرين أرقني ... صوتُ الدجاج وقرع بالنواقيس
فقلت للركب إذ جدّ المسير بنا ... يا بُعْدَ يبرين من بابِ الفراديس فغنى علويه في معنى شعر [5] :
ألحَيْنُ ساق إلى دمشق وما ... كانت دمشق لأَهلنا بلدا فضرب بالقدح الأرض وقال: مالك فض الله فاك، ودمعت عينه، وقال لأخيه أبي إسحاق: أَسمعت، لا أحسبني والله أرى بالعراق أبداً، وقال: خذوا بيد هذا الجاهل أو النذير، واعطوا مخارقاً ثلاثة آلاف درهم، وتقوض المجلس ولم يعد بعد. قال علويه: وكدت أحبس لولا كرم المأمون، وصار إلى البذندون على أثر ذلك فهلك في رجب سنة ثمان عشرة ومائتين.
وطرسوس [6] مدينة كبيرة كثيرة المتاجر، والعمارة والخصب الزائد وبينها وبين البحر اثنا عشر ميلاً.
وفي سنة اثنتين وخمسين [7] وثلثمائة تغلب الروم على طرسوس

[1] صبح الأعشى 4: 133.
[2] قارن بالبلاذري: 200.
[3] فتوح البلاذري: فرج بن سليم الخادم.
[4] مروج الذهب 7: 101 - 102.
[5] ذكر أبو الفرج هذا الصوت في قصة أخرى بين المأمون وعلويه (الأغاني 11: 335) .
[6] نزهة المشتاق: 195، وقارن بياقوت (طرسوس) .
[7] تتفق المصادر (ابن الأثير، تجارب الأمم، ابن العديم، ابن العيري، ياقوت ((طرسوس)) ) على أن استيلاء نقفور على طرسوس تم سنة 354، ويشير كل من العديم (زبدة الحلب 1: 142) ومسكويه (تجارب الأمم 2: 201) إلى وجود غازٍ خراساني كان معه حسبما يقول مسكويه خمسة آلاف، ذهبوا لمعونة سيف الدولة ضد الروم سنة 353، ويقول المؤرخان إن جماعة تفرقت سنة 353 لشدة الغلاء، ويضيف مسكويه إن أكثرهم رجع إلى بغداد ومنها إلى خراسان.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم    الجزء : 1  صفحة : 388
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست