اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 385
عند أحد من الخلق هو، فانتهى الخبر إلى الاصبهبذ، فأمر من الغد بنصب سماطين، فأحضر أصحابه للشراب، وأحضر الرجل الخُراساني، وأمر ألا يخرج بيومه ذلك من الجامات إلا ديكة مكللة من الجواهر، ودفع إلى كل رجلين من السماطين ديكاً من الديكة التي أخرجت من الخزائن، فبهت الخُراساني مما رأى، وفطن أنه إنما عرّض به لما كان يكثر أن يقوله، فقام فقال: أيها الملك، أخطأت فأقلني، فأمر له بصِلة جزيلة وردّ ذلك الديك إليه ولم يقبله. وكانت خزائن الملوك كلها صارت إليه.
وطبرستان وجرجان وموقان وجيلان كلها وما والاها على ساحل الخزر ونزل الططر على طبرستان في سنة ست عشرة وستمائة واستولوا عليها قتلاً ونهباً وتخريباً وفعلوا العظائم، على عادتهم. طبرمين[1] :
حصن بصقلية منيع، بينه وبين مسيني مرحلة، وهو بلد شامخ رفيع أزلي من أشرف البلاد، وهو على جبل مطل على البحر، وبه مرسى حسن، والسفر إليه من كل الجهات، ويحمل منه كثير من الغلات وفيه منازل وأسواق، وتجتمع فيه القوافل الواصلة من مسيني، وبه ضياع صالحة ومزارع طيبة، وبه معدن الذهب، وبه الجبل المشهور المسمى بالطور [2] ، وأنهار غزيرة عليها أرحاء كثيرة، وبها جنات قلائل، وبها واد عليه قنطرة عجيبة يدل بناؤها على قدرة بانيها وقوة سلطانه، وبها ملعب من ملاعب الروم القديمة تدل رسومه على شرف ملك وشماخة قدر.
وكانت طبرمين فتحت على يد إبراهيم بن أحمد بن الأغلب في سنة تسع وثمانين ومائتين، بعد أن حاصرها ووقف بنفسه يحرض المسلمين على القتال، ومس الفريقين ألم الجراح وهمَّ كل بالانحياز، فقرأ قارئ كان بين يدي إبراهيم " هذانِ خَصمانِ آخْتَصَمُوا في رَبِّهِمْ " إلى آخر الآية فحمل حينئذ جملة العسكر وأهل البصائر منهم بنيات صادقة، فانهزم الكفرة وولوا هاربين وقتلهم المسلمون أبرح قتل، واقتفوا آثارهم في بطون الأودية ورؤوس الجبال، ودخل إبراهيم ومن معه طبرمين بلا عهد ولا عقد، فقتل وسبى والتجأ بعضهم إلى بعض القلاع، وفي ذلك يقول شاعره:
قد فتح الله طبرمينا ... في عام سبع وثمانينا
وشهر شعبان فأعظم به ... شهراً يراه الله ميمونا
فأيَّد الله إمام الهدى ... وزاده عزاً وتمكينا ثم رحل طالباً لكل من بقلورية [3] من الروم بقتل وسبي فهربوا بين يديه، ومضى إلى كشنته [4] فحاصرها، فطلبوا الأمان وأداء الجزية، فأبى ولم يجبهم، وحلت به عليه علته التي مات منها وزادت العلة به فمات سنة تسع وثمانين، وحمل إلى بلرم فدفن بها وأدى أهل كشنته الجزية وهم لا يعلمون بموته وكان فتحه لمدينة طبرمين[5] سنة سبع وثمانين ومائتين، وقتل من أهلها بشراً عظيماً ثم عفا عنهم، وكان متولي حرب أهل بلرم ابنه أبو العباس [6] ، الذي كان جعله ولي عهده.
طبرية:
مدينة من بلاد الأردن بالشام، بينها وبين عكا يومان، وبنى هذه المدينة طيباريوس أحد ملوك الروم، وإلى اسمه أضيفت فعربتها العرب حين افتتحت البلاد فقالت: طبرية. وهو الذي لخمس عشرة سنة من ملكه كان تعميد يشوع الناصري في نهر الأردن، وزعموا أن المعمد له يحيى بن زكريا ابن خالة يشوع، وهو عندهم عيسى عليه الصلاة والسلام.
وطبرية [7] مدينة جليلة على جبل مطل، وهي طويلة في ذاتها قليلة العرض في طولها نحو ميلين. قال اليعقوبي [8] : وهي مدينة الأردن، وهي في أصل جبل على بحيرة جليلة عذبة يخرج منها نهر الأردن المشهور وتحمل فيها الغلات إلى المدينة، ويعمل بها من الحصر السامانيّة كل عجيبة وفيها حمّامات حامية من غير نار في الشتاء والصيف، وبها عيون حارة يأتيها أصحاب البلاء من المقعدين والمفلوجين وأصحاب القروح فيقيمون بها في الماء ثلاثة أيام فيخرجون بارئين بإذن الله سبحانه وتعالى.
وفي الخبر أن يأجوج ومأجوج يجتازون في خروجهم عليها [1] (Taormina) الإدريسي (م) : 27. [2] لعله - حسب ترجيح أماري وسكياباريللي - المسمى (Monte Venereia) أو (Casteloma) . [3] ص ع: قفلورية. [4] ص ع: لشنته؛ وهو تصحيف كما سبقت الإشارة. [5] ص ع: بلرم؛ وهو سهو. [6] بياض في ص ع، وزدناه اعتماداً على ما حققه الأستاذ رتزيتانو. [7] نزهة المشتاق: 115، وقارن بابن الوردي: 26. [8] اليعقوبي: 327.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 385