اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 382
الصورة نظرها بين مصعد الحية ومكان الطفل كالمشفقة الحذرة، يتبين ذلك في التفاتها، ولو وقف الناظر يتأملها عامة نهاره لم يسأم ذلك ولا مله لدقيق صنعتها وغريب حكمتها، وهذه الصورة موضوعة في بعض حمامات اشبيلية، وقد تعشقها جماعة من العوام، وشغف بها ناس من الطغام، فتعطلت أشغالهم وانقطعت متاجرهم بالنظر إليها.
طارق [1] :
جبل طارق، فيه خرج طارق بن زياد ومنه افتتح الأندلس، وهو عند الجزيرة الخضراء، وبجبل طارق مرسى يكن من كل ريح، وبه غريبة، وهو غار هناك يعرف بغار الأقدام، يرى من البطحاء التي تلي الغار أثر قدم أبداً وليس هناك طريق ولا منفذ إلى غير الغار [2] ، وقد مسحت تلك البطحاء وسويت، ثم أتوها من الغد فوجدوها فيها أثر القدم، جرب ذلك مراراً.
وكان أحد خلفاء بني عبد المؤمن [3] أمر ببناء مدينة على جبل طارق، فندب إليها البناة والنجارين وقطاع الحجر للبنيان والجيار من كل بلدة وخطت فيه المدينة وقدم إليها من المال ما يعجز كثرة واتخذ فيها الجامع وقصراً له وقصوراً تجاوره للسادة بنيه، وتوالى العمل في ذلك وأقطع أعيان وجوه البلاد فيه منازل نظروا في بنائها بعد أن حفروا في سفح الجبل مواضع نبع فيها الماء وجمع بعضها إلى بعض حتى سال منها جدول عم المدينة لأنفسهم وماشيتهم من أعذب الماء وأطيبه، يصب في صحن عظيم اتخذ له، وأجري إلى الجنات المغترسة بها عن أمره، فللحين ما جاءت مدينة تفوت المدن حسناً وحصانة، لا يدخل إليها إلا من موضع واحد قد حصن بسور منيع من البنيان الرفيع، وسميت بمدينة الفتح، وقالت الشعراء بها، ثم جاز إليها في سنة ست وخمسين وخمسمائة، وورد الوفود عليه هناك فتلقاهم بالتكرمة، وفت ذلك في عضد العدو.
طارنت [4] :
مدينة كبيرة قديمة على قطيعة من البحر الشامي بالقرب من الوادي المعوج في بلاد الروم، وهي حسنة المباني والديار، كثيرة التجار والسفار، توسق منها السفن وتقصدها الرفاق، وهي ذات متاجر وأموال طائلة، وبها مرسى فيه بحر حي، وفي شمالها بحيرة تدويرها من القنطرة إلى أن تعود إلى باب المدينة اثنا عشر ميلاً، وهذه القنطرة بين البحر الحي والبحيرة، وطول القنطرة من جهة ثلثمائة ذراع، وعرضها خمسة عشر ذراعاً، وفي هذه القنطرة منافس تفرغ من البحر إلى البحيرة في اليوم مرتين، وفي الليل مرتين، وتفرغ في هذه البحيرة ثلاثة أودية، وعمق هذه البحيرة من ثلاثين قامة إلى خمس عشرة قامة إلى عشر قيم، ويحيط بهذه المدينة البحر الحي والبحيرة من كل الجهات خلا الوجه الواحد مما [5] يلي الشمال.
الطاق [6] :
بخراسان بمقربة من طبرستان، كان خزانة لملوك الفرس اتخذه منوجهر، وهو نقر في جبل فيه خمسمائة بيت وأحواض للماء منقورة في صخرة صماء، وعلى الباب صخرة مهندسة مسواة يرسلها ألف رجل وكان صاحبها مزيد صالح أصبهبذ طبرستان وتفسيره بالفارسية حافظ الجيش، فلم يزل بعد ذلك يعطي الشيء اليسير فيقبل منه لصعوبة ذلك البلد وخشونته فإذا أحس من صاحب خراسان بضعف لم يعط شيئاً ولا أرى طاعة حتى ولي أبو جعفر الخلافة وقتل أبا مسلم فهابه الأصبهبذ فكتب إليه بالطاعة ووجه رسله فقبل أبو جعفر ذلك وبر رسوله ثم جعل يوجه إليه الهدايا والألطاف في كل نوروز ومهرجان، ثم إن الأصبهبذ استطال أيام أبي جعفر وأمسك عن البعثة إليه وأعان على ذلك خلاف عبد الجبار بن عبد الرحمن بخراسان، فلما وجه إليه أبو جعفر أبا عون القائد مع ابن الخصيب فأسراه بخراسان كتب أبو جعفر إلى ابن الخصيب بولايته على قومس وطبرستان وجرجان وأمره بدخول طبرستان فوجه إلية قائداً في عشرة آلاف وهو خزيمة بن خازم التميمي وروح بن حاتم المهلبي ومعهما مروان بن الخصيب وبلغ الأصبهبذ ذلك فنقل حرمه وخزائنه إلى الطاق وكان أعد فيه الطعام والآلة وما يحتاج إليه، وحمل جميع حرمه وخزائنه إليه وخلف عليهم ألف رجل مقاتلة، وأرسل الصخرة على الباب وخرج هو بنفسه وأصحابه إلى الديلم، [1] بروفنسال: 121، والترجمة: 148 (Gibraltar) . [2] سقط من ع. [3] هو عبد المؤمن نفسه، قال المراكشي: ((ونزل الجبل المعروف بجبل طارق وسماه هو جبل الفتح فأقام به أشهراً، وابتنى به قصوراً عظيمة وبنى هناك مدينة هي باقية إلى اليوم (المعجب: 282) . [4] الإدريسي (م) : 62، والترجمة: 74 (Taranto) . [5] ص ع: منها. [6] ابن الفقيه: 309 - 311، وياقوت (الطاق) ، وانظر أيضاً فتوح البلاذري: 415.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 382