اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 366
كثيرة ومساجد ومسجد جامع، وسورها صخر وطوب، وبها حمامات وفنادق وبواد عظيمة وقصور جمة وحصون ورباطات على البحر، منها محرس فيه منار مفرط الارتفاع يرقى إليه في مائة وست وستين درجة.
وصفاقس في وسط غابة زيتون، ومن زيتها يمتار أهل مصر والمغرب وصقلية والروم، وربما بيع الزيت بها أربعين ربعاً بمثقال واحد، وهي محط لسفن الآفاق، وإذا جزر الماء بقيت السفن في الحمأة فإذا مد رجعت السفن وعامت، ولا بد من المد والجزر كل يوم.
وكان الأديب أبو عبد الله محمد بن الشيخ أبي تميم ولي في المدة المستنصرية اشرافها فلم توافقه فقال [1] :
صفاقس لا صفا عيش لساكنها ... ولا سقى أرضها غيث إذا انسكبا
ناهيك من بلدة من حل ساحتها ... عانى بها العاديين الروم والعربا
وليتها فتولتني الهموم وقد ... لقيت من سفري في أرضها نصبا
كم ظل في البر مسلوباً بضاعته ... وبات في البحر يشكو الأسر والعطبا
قد عاين البحر قبحاً في جوانبها ... فكلما هم أن يدنو لها هربا ويقصدونها [2] التجار من الآفاق بالأموال الجزيلة لابتياع المتاع والزيت وعمل أهلها في القصارة والكمد كعمل أهل الإسكندرية وأحسن، وتقابل صفاقس في البحر جزيرة قرقنة، وهذه الجزيرة في وسط القصير، بينها وبين مدينة صفاقس في ذلك البحر الميت القصير القعر نحو عشرة أميال، وليس للبحر هناك حركة، وحذاء هذا الموضع في البحر على رأس القصير بيت مشرف مبني بينه وبين البر الكبير نحو الأربعين ميلاً، فإذا رأى ذلك البيت ركاب السفن الواردة من الإسكندرية والشام وبرقة أداروها إلى مواضع معلومة.
صقلية:
جزيرة صقلية في قطعة من البحر الشامي بينها وبين أقرب بر من مالطة ثمانون ميلاً؟ افتتحها المسلمون في صدر الإسلام وغزاها أسد بن الفرات الفقيه أميراً وقاضياً سنة اثنتي عشرة ومائتين، ففزع فيمه [3] البطريق النصراني قائد صاحب صقلية إلى زيادة الله فعرض عليه أمر صقلية، والظفر بها، فولى زيادة الله أسد بن الفرات القاضي الفقيه على جيش إفريقية من قريش والعرب والبربر وغيرهم وأقره على القضاء مع القيادة، فخرج أسد في جيش عظيم وجمع كثير وعدة كاملة في شهر ربيع الأول من العام المذكور، وكان فصوله من مدينة سوسة في سبعين مركباً يوم السبت للنصف من ربيع الآخر ووصل إلى مرسى مازر يوم الثلاثاء بعده، وكانت طريقه من المرسى على قلعة بلوط ثم على قرى الريش ثم صار إلى قلعة الدب، وسميت بذلك لأنهم أصابوا فيها دباً أنيساً، ثم إلى قرية الطواويس، وسميت بذلك لأنهم أصابوا فيها طاووساً، ثم إلى معركة بلاطة [4] ، وهناك ظهر لهم جمع الروم فنازلهم فانهزم المشركون وأصيب لهم كراع وسلاح ولذلك سميت معركة بلاطة، وهو اسم ملك النصارى، ثم رحل إلى حصون الروم وقراهم يغير ويسبي، وبث السرايا في جميع الجزيرة وكثرت المغانم عند المسلمين وصاروا في رغد من العيش، وسارع الناس إلى إمدادهم من إفريقية والأندلس، وحاصر أسد مدينة سرقوسة وقاتلهم [5] براً وبحراً وأحرق مراكبهم وقتل جماعة من أهلها، ومات أسد سنة ثلاث عشرة ومائتين وهو محاصر لسرقوسة، ووقع الموتان في عسكر المسلمين.
واختلفت عليهم بعده الولاة، ثم كان فيها من العلماء والعباد والفقهاء والشعراء وأعيان الناس ما لا يأخذه عد ولا يأتي عليه إحصاء، إلى أن طال الأمد وقست القلوب واختلفت الأهواء ووقعت الفتن بين أهلها، وخلفت فيهم خلوف، ومضت الأعصار الطويلة فتغلب عليها النصارى في سنة أربعمائة وثلاث وخمسين، ومازال [1] رحلة التجاني: 69، وفيها معلومات هامة عن صفاقس، وانظر كذلك الاستبصار: 116. [2] عادة إلى النقل عن البكري: 20 - 21. [3] ص ع: قيمه؛ وفيه أو فيمي (Euphemius) هو الذي تذكر المصادر العربية أنه حث الأغالبة على فتح الجزير لنزاع بينه وبين صاحب القسطنطينية (نهاية الأرب 22: 238) ؛ وهذا النص يشبه ما عند البكري (ح) : 219 مع اختلاف في بعض التفصيلات. [4] كذا ولعله ((منزلة)) ؛ وبلاطة: موضع المعركة، ولكن المصادر العربية تجعله أيضاً أسماً لحاكم صقلية. [5] ص ع: وقابلهم.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 366