اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 359
بخيش كنا أعددناه للصيف بعد أن نغمسه في الزيت، وجليت بوران على المأمون وقد فرش لها حصير من ذهب، وجيء بمكتل من ذهب مرصع بجوهر فيه در كبار فنثر على من حضر من النساء وفيهن رشيدة وحمدونة بنت الرشيد وأشباههما، فما مس من حضر منهن شيئاً منه حتى قال المأمون لهن: شرفن أبا محمد وأكرمن عروسنا، فمدت كل واحدة منهن يدها فأخذت درة، وبقي سائر الدر يلوح على حصير الذهب، فقال المأمون: قاتل الله الحسن بن هانئ، كأنه رأى هذا المنظر حيث يقول:
كأن صغرى وكبرى من فواقعها ... حصباء در على أرض من الذهب قيل: وأنفق الحسن بن سهل حين أعرس المأمون ببوران بنته ثمانية وثلاثين ألف ألف درهم، قيل وأخذت شمعتا عنبر ودخل بهما ليلاً فأوقدتا بين يديه فكثر دخانهما وأفرط، فقال المأمون: ارفعوهما فقد آذانا الدخان وهاتوا الشمع. ودخل الحسن على ابنته بوران لما اجتلاها المأمون وأجلست إلى جنبه ومعه ست لآل عظيمة الخطر لم توجد لهن سابعة فنثرن عليها، فالتقط المأمون منهن اثنتين إعجاباً بهما وأخذ الأربع من حضر من الكبراء، وكانت وليمة المأمون هذه تدعى وليمة الإسلام إذ لم يكن في ولائم الإسلام قط مثلها.
صنف [1] :
جزيرة من جزر الهند، بها يوجد العود الصنفي وهو أفضل من القماري لأنه يغرق في الماء لجودته وثقله، وبها بقر وجواميس لا أذناب لها، وبها النارجيل والموز وقصب السكر، وأهلها لا يذبحون شيئاً من الحيوان ولا الهوام من الحشرات وإنما تؤكل عندهم إذا ماتت، بل يعافها أكثرهم ولا يأكلها، ومن قتل بقرة لزمه القتل وتقطع يده، وإذا وقفت البقرة عن الخدمة والتصرف وضعت في بيت وتركت حتى تموت موتها الطبيعي، ومياههم عذبة.
وبحر الصنف هو الذي بعده بحر الصين، وبعرضه الجبل الذي يتوقد ليلاً ونهاراً أو يسمع فيه مثل قواصف الرعد دوي الأصوات الهائلة التي تدل على هلاك ملكهم.
صنكان [2] :
بلد على ساحل بحر القلزم، أهله مقيمون لا يتجرون [3] والناس واردون عليهم وصادرون عنهم، وبضائع أهلها قليلة وأموالهم يسيرة وصنائعها نزرة وجملتها غير حسنة، لكن الله تعالى حبب الوطن لأهله. صنعاء[4] :
مدينة عظيمة باليمن كان اسمها في القديم أزال فلما وافتها الحبشة ونظروا إلى مدينتها فرأوها مبنية بالحجارة قالوا: هذه صنعة وتفسيرها بلسانهم حصينة، فسميت صنعا. قالوا: والذي أسس غمدان وابتدأ بنيانه واحتفر بيده الذي هو اليوم سقاية بمسجد جامع صنعاء، سام بن نوح عليه السلام؛ لأنه سار يطلب حر البلاد وموضع اعتدال الحر والبرد فلم يجده إلا في جزيرة العرب، فنظر الحجاز فوجده مفرط الحر لمقام الشمس شهرين في مثل ثلاث درجات وكسر على سمته، فسار في الإقليم الأول حتى صار إلى حقل صنعاء فوجده أطيب باعتداله وصحة هوائه، ورآه أرجح إلى البرد منه إلى الحر، ورأى ميله وسطاً لا مثل ميل الحمل المتقارب تسير الشمس فيه طولاً درجة وعرضاً قريباً من نصفها، ولا مثل ميل الجوزاء الذي هو تسع طوله، ورأى الشمس تسامته في السنة كرتين في ثماني درجات من الثور وثلاث وعشرين من الأسد، فإذا كانت الشمس فيها ترى الشمس في أيار صنعاء انتصاف النهار. وصنعاء[5] مدينة كثيرة الخيرات متصلة العمارات ليس في بلاد اليمن أقدم منها عهداً ولا أكبر قطراً ولا أكثر ناساً، وهي في صدر الإقليم الأول معتدلة الهواء طيبة الثرى، والزمان بها أبداً معتدل الحر والبرد، وكانت ملوك اليمن قاطبة تنزل بها، وهي ديار العرب، وكان لملوكها بها بناء كبير عظم الذكر وهو قصر غمدان، فهدم وصار كالتل العظيم، وأكثر بنيانها في هذا الوقت بالخشب، وبها دار لعمل [6] الثياب المنسوبة إليها، وهي قاعدة اليمن، وهي على نهر صغير يأتي إليها من جبل في شمالها فيمر بها [1] قارن بما في المروج 1: 341 - 342، والبكري (مخ) : 33، وآثار البلاد: 97، وتقويم البلدان: 369، وياقوت (صنف) . [2] نزهة المشتاق: 50، وصوابه ((ضنكان)) بالضاد المعجمة؛ انظر ياقوت. [3] نزهة المشتاق: لا يتحولون عنه إلى غيره. [4] صبح الأعشى 5: 39، وقارن بالهمداني: 55، ومعجم ما استعجم 3: 843، وياقوت (صنعاء) ، وابن الفقيه: 34، وآثار البلاد: 50، وابن حوقل: 43، والكرخي: 26، وتقويم البلدان: 95، ويذكر المقدسي: 86 أنها كانت قد اختلت في زمانه. [5] نزهة المشتاق: 20 (OG: 53) . [6] زيادة من نزهة المشتاق.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 359