اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 284
إليه، وسما إلى ما سمت إليه الملوك من اختراع قصر ينزل فيه، ويحله بأهله وذويه، ويضم إليه رياسته ويتم به تدبيره وسياسته ويجمع فيه فتيانه وغلمانه ويحشر إليه صنائعه، فارتاد موضع مدينته المعروفة بالزاهرة، الموصوفة بالمشيدات الباهرة، وأقامها بطرف البلد على نهر قرطبة الأعظم، وشرع في بنائها سنة ثمان وستين وثلثمائة فحشر إليها الصناع والفعلة، وأبرزها بالذهب واللازورد متوجة منعلة، وجلب نحوها الآلات الجليلة، وسربلها بما يرد العيون كليلة، وتوسع في اختطاطها وتولع في انتشارها في البسيط وانبساطها [1] ، وبالغ في رفع أسوارها وثابر على تسوية أنجادها وأغوارها، وأوثق أبوابها وأتقن مضايقها [2] فاتسعت هذه المدينة في المدة القريبة، وصار بناؤها من الأبنية الغريبة، وبني معظمها في عامين، وفي سنة سبعين وثلاثمائة انتقل المنصور إليها ونزلها بخاصته وعامته، فتبوأها وشحنها بجميع أسلحته، وأمواله وأمتعته،، واتخذ فيها الدواوين للعمال، ترتفع فيها ضروب الأعمال، والاصطبلات لأنواع الكراع، وعمل داخلها الأهراء، وأطلق بساحتها الأرحاء، ثم أقطع وزراءه وكتابه، وقواده وحجابه، القطائع الواسعة فابتنوا بأكنافها كبار الدور، وجليلات القصور، واتخذوا خلالها المستغلات المفيدة، والمنازه المثيرة، فاتسعت هذه المدينة في المدة القريبة وقامت فيها الأسواق، وكثرت فيها الأرزاق، وتنافس الناس في النزول بأكنافها، والحلول بأطرافها، للدنو من صاحب الدولة، حتى اتصلت أرباضها بأرباض قرطبة، وكان الفراغ منها سنة سبعين وثلثمائة. وفي هذه السنة نزل فيها بخاصته وعامته وخلع الخليفة إلا من الاسم الخلافي، ورتب فيها جلوس وزرائه، ورؤوس أمرائه، وكتب إلى الأقطار بالأندلس والعدوة في أن تحمل إلى مدينته تلك الأموال والجبايات، ويقصدها أصحاب الولايات، فانحشد إليها الناس من جميع الأقطار وحجر على خليفته كل تدبير، واتفق له ذلك بسرعة بطشه، وأقام الخليفة منذ نقل عنه الملك إلى قصر الزاهرة، مهجور الفناء، محجور الغناء، خفي الذكر، مسدود الباب، محجوب الشخص، لا يخاف منه باس ولا يرجى منه إنعام، وليس له إلا الرسم السلطاني في السكة والدعوة والاسم الخلافي، وأزال أطماع الناس منه وصيرهم لا يعرفونه، واشتد ملكه منذ نزل قصر الزاهرة، وتوسع مع الأيام في تشييد أبنيتها وتجنيد أفنيتها حتى كملت أحسن كمال، وجاءت في نهاية الحسن والجمال، وما زالت هذه المدينة رائقة متناسقة السعود، تراوحها الفتوح وتغاديها، لا تزحف منها راية إلا إلى الفتح، ولا يصدر عنها تدبير إلا بنجح، إلى أن حان يومها العصيب، وقيض لها من المكروه نصيب، فتولت فقيدة، وخلت من بهجتها كل عقيدة.
زيان [3] :
حصن بالمغرب له نهر كثير الثمار والأشجار، وبالقرب منه حصن العروس [4] ، وهو على قنة جبل على ضفة البحر، وبالقرب من هذا الحصن الوردانية وحصن هنين، ومرساه مقصود وله بساتين كثيرة.
زبالة [5] :
من قرى المدينة، سميت بضبطها الماء وأخذها منه كثيراً [6] ، وقيل سميت بزبالة بنت مسعود من العماليق نزلت موضعها فسميت بها.
وكانت [7] فيما سلف مدينة، وما بها الآن إلا رسم محيل وموضع يأوي إليه المسافرون، وليست بمدينة ولا حصن. زبيد[8] :
مدينة باليمن بقرب الجند ومعاثر [9] ، تسير في صحراء ورمال حتى تنتهي إلى زبيد، وليس باليمن بعد صنعاء أكبر من زبيد ولا أغنى أهلاً ولا أكثر خيراً منها، وهي واسعة البساتين كثيرة المياه والفواكه والموز وغيره، ومن زبيد إلى عدن على الساحل عشر مراحل في برية ليس فيها عمارة ولا يركبها إلا السابلة والصيادون.
والمسافرون إلى زبيد كثير، وبها مجتمع التجار من أرض الحجاز وأرض الحبشة وأرض مصر الصاعدون في مراكب جدة، وأهل الحبشة يجلبون رقيقهم إلى زبيد، وتخرج منها ضروب الأفاويه [1] زيادة من بروفنسال، وكذلك كل ما يرد بين معقفين. [2] وأوثق ... مضايقها: لم يرد عند بروفنسال. [3] الاستبصار: 135، والبكري: 79 (حصن ابن زيني) ، ويبدو أن المؤلف اعتبره ((زيان)) بالباء الموحدة حتى أورده في هذا الموضع. [4] الاستبصار والبكري: الفروس. [5] معجم ما استعجم 2: 694، وقارن بياقوت (زبالة) ، وهي حسب تحديده أقرب إلى الكوفة. [6] يقال فلان شديد الزبل للقربة: إذا احتملها على شدته. [7] نزهة المشتاق: 120. [8] البكري (مخ) : 67 وبعضه عن نزهة المشتاق: 20، وقارن بياقوت (زيد، والمقدسي: 84، وابن الوردي: 42. [9] كذلك وردت هذه اللفظة عند البكري أيضاً.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 284