اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 276
ونجلس على كراسي الذهب، فدعونا إلى النصرانية فلم نجبهم، وأخذناهم فعذبناهم وحلقنا رؤوسهم ولحاهم، ولما ظهر لنا صدق قولهم، حلقنا لحانا، كفارة لما ركبنا من حلق لحاهم.
وإنما صار النصارى يعظمون الأحد لأنهم يزعمون أن المسيح قام في القبر ليلة الأحد وارتفع إلى السماء ليلة الأحد بعد اجتماعه مع الحواريين، وهم لا يرون الغسل من الجنابة ولا وضوء عندهم للصلاة وإنما عبادتهم النية، ولا يأخذون القربان حتى يقولوا: هذا لحمك ودمك، يريدون المسيح، والسكر عندهم حرام، ولا يتكلم أحدهم إذا أخذ القربان حتى يغسل فمه [1] ، وإذا تقربوا قبل بعضهم بعضاً وتعانقوا، ولا يتزوج أحد منهم أكثر من امرأة واحدة ولا يتسرى عليها، فإن زنت باعها وإن زنا باعته، وليس لهم طلاق، ويورثون النساء جزأين والذكور جزءاً، ومن سننهم أن لا يلبس الجباب الحمر إلا ملك، وهم يخففون الحكم عن الشريف ويثقلون على الوضيع حتى يبلغ به البيع، ومن أحكامهم أن من زنا بأمة غيره في دار سيدها فعليه حد معروف، فإن زنا بها خارج الدار فلا شيء عليه كأنه لم يأت ريبة، ومن أولد عندهم أمته فولده منها زنيم ولا يجوز لذلك الولد عندهم رتبة القسيسية ولا يرث أباه إذا كان له ولد من حرة، وولد الحرة يحيط بميراثه، وإن لم يكن له ولد غير ولد الأمة ورثه، وهم يفطرون في صومهم يومين من كل جمعة، وهما: يوم السبت ويوم الأحد، وأمر الصوم عندهم خفيف ليس بالشديد اللزوم وإنما أصله عندهم الصوم الذي كان صامه المسيح بزعمهم استدفاعاً لإبليس، وكان صومه أربعين يوماً موصولة بلياليها في قولهم، وهم لا يصومون يوماً كاملاً ولا ليلة كاملة، ومن كان بين المسلمين منهم يؤخر الفطر حياء منهم، وهم في موضع مملكتهم لا يصومون إلا نصف النهار أو نحوه، والمواظب منهم للصلوات والجماعات من شهد الكنيسة يوم الأحد وليلته وأيام القرابين السبعة، ولو غاب عنها عمره كله لم يطعن عليه بذلك طاعن ولا عابه عائب، وليس يشتمل مصحف النصارى الذي هو ديوان فقههم وكنز علمهم وعليه معولهم في أحكامهم واعتمادهم في شرائعهم إلا على خمسمائة وسبع وخمسين مسئلة، ومن هذه المسائل على قلتها مسائل موضوعة لا معنى لها ولا حاجة بهم إلى تقييدها لم تقع في سالف الزمن ولا تقع في غابره. وليست سنتهم مأخوذة من تنزيل ولا رواية عن نبي وإنما جميعها عن ملوكهم، وأيمانهم التي لا بعدها: بالله الذي لا بعده [2] غيره ولا يدان إلا له، وإلا فخلع النصرانية وبرئ من المعمودية وطرح على المذبح حيضة يهودية، وإلا فلعنه البطريق الأكبر والشمامسة والديرانيون وأصحاب الصوامع ومقربة القربان، وإلا فبرئ من الثلثمائة والثمانية عشر أسقفاً الذين خرجوا من بيوتهم حتى أقاموا دين النصرانية، وإلا فشق الناقوس وطبخ فيه لحم جمل وأكل يوم الإثنين مدخل الصوم، وإلا تلقى الله بعمل إسحاق طرى اليهودي. رومية المدائن[3] :
هي إحدى بلدان المدائن التي كان ينزلها كسرى ملك الفرس بالعراق، يقال لها رومية المدائن، والمدائن على مسافة بعض يوم من بغداد، ويشتمل مجموعها على مدائن متصلة على جانبي دجلة شرقاً وغرباً، ودجلة يشق بينها، ولذلك سميت المدائن، والغربية منها تسمى بهرسير والمدينة الشرقية تسمى العتيقة، وفيها القصر الأبيض الذي لا يدرى من بناه، وتتصل بهذه المدينة العتيقة المدينة الأخرى التي كانت الملوك تنزلها، وفيها الإيوان إيوان كسرى العجيب البنيان، الشاهد بضخامة ملك بني ساسان، ويقال إن سابور ذا الأكتاف منهم هو الذي بناه، وهو من أكابر ملوكهم، كما بنى ببلاد فارس وخراسان مدناً كثيرة. وكان الإسكندر، وقيل إنه ذو القرنين، بلغ مشارق الأرض ومغاربها وله في كل إقليم أثر، فبنى بالمغرب الإسكندرية، وبخراسان سمرقند ومدينة الصغد، وبخراسان السفلى مرو وهراة، وبناحية الجبل جي وهي أصبهان، ومدناً كثيرة في نواحي الأرض وأطرافها، وجال الدنيا كلها فلم يختر منها منزلاً سوى المدائن، بناها مدينة عظيمة وجعل عليها سوراً أثره باق، وهي التي تسمى الرومية في جانب دجلة الشرقي، وبها مات، وحمل إلى الإسكندرية لمكان والدته، فإنها كانت إذ ذاك باقية هناك.
وفي رومية كان إيقاع أبي جعفر المنصور بأبي مسلم بالقتل سنة ست وثلاثين ومائة، وكان المنصور بعث إليه بعد ظفره بعسكر عبد الله بن علي وكان خرج على المنصور وحاربه أشهراً، ثم انهزم عبد الله وظفر أبو مسلم بعسكره، فبعث المنصور يقطين بن [1] ص ع: دمه. [2] ص والبكري: يعبد. [3] راجع ما تقدم مادة ((بهرسير)) و ((خطرنية)) و ((دير الأعور)) ؛ وانظر مروج الذهب 6: 177 - 183.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 276