اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 271
وكيف بناؤه؟ يريد القصر، قال: دون منازل أهلي وفوق نازل الناس، قال: وكيف مدينتك؟ قال: عذبة الماء باردة الهواء طيبة الوطاء قليلة الأدواء، قال: كيف ليلها؟ قال: سحر كله.
وذكر المسعودي [1] إن الرقة هي عين البذندون التي مات فيها المأمون وأن مولده اقتضى أنه يموت بمكان يقال له الرقة فكان كذلك وحمل إلى طرسوس فدفن بها.
رقادة [2] :
على أربعة أميال من قيروان إفريقية وكانت مدينة كبيرة دورها أربعة وعشرون ألف ذراع وأربعون ذراعاً، وكانت أكثر بلاد إفريقية بساتين وفواكه، وليس بإفريقية أعدل هواء من رقادة ولا أرق نسيماً ولا أطيب تربة، ويقال إن من دخلها لم يزل ضاحكاً مستبشراً مسروراً من غير سبب كالذي يحكى عن أرض تبت، وكان أحد ملوك الأغالبة أصابه أرق شديد أياماً فعالجه إسحاق المتطبب، وهو الذي ينسب إليه الأطريفل [3] ، فأمر الملك بالخروج والتنزه والمشي، فلما وصل إلى موضع رقادة نام، فسميت رقادة من يومئذ واتخذت موضع فرجة ومتنزهاً للملوك، ويقال إن إبراهيم بن أحمد الأغلبي هو الذي بناها وجعلها دار مملكته ومسكنه، قالوا: ومنع بيع النبيذ بالقيروان وأذن فيه في رقادة بسبب جنده وعبيده، وقال بعض المجان في ذلك:
يا سيد الناس وابن سيدهم ... ومن إليه القلوب منقاده
ما حرم الشرب في مدينتنا ... وهو حلال بأرض رقاده وبرقادة بويع عبيد الله الشيعي، ثم إن رقادة خربت وانتقل الناس عنها ولم يبق لها عين ولا أثر.
الرقيم [4] :
قال الله تعالى: " أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم كانوا من آياتنا عجباً " قيل المعنى إنكار اعتقاد كون ذلك عجباً، أي لا يعظم ذلك فإن سائر آيات الله تعالى أعظم من قصتهم وأعجب، وهذا هو الأشهر، وقيل يجوز أن يكون المراد: هل علمت أن أصحاب الكهف كانوا عجباً. بمعنى إثبات أنهم عجب، والكهف: اللحف المتسع في الجبل، فإن صغر فهو الغار، والرقيم القرية التي كانت بإزاء الكهف، وقيل الوادي الذي كان بازائه وهو واد بين بيسان وأيلة دون فلسطين، وقيل هو الجبل الذي فيه الكهف، وقيل الصخرة التي كانت على الكهف، هذا قول من جعله موضعاً وحيزاً، والآخرون قالوا: هو كتاب مرقوم، وكان عندهم فيه الشرع الذي تمسكوا به من دين عيسى أو غيره في لوح نحاس أو رصاص أو حجارة، على اختلافهم في ذلك.
وكانوا فتية في غابر الدهر فروا بدينهم، فدخلوا كهفاً خائفين من ملكهم وكان عابد وثن. قالوا: مر ابن عباس رضي الله عنهما في بعض غزواته مع ناس على موضع الكهف وجبله فمشى الناس إليه فوجدوا عظاماً فقالوا: هذه عظام أهل الكهف، فقال لهم ابن عباس رضي الله عنهما: أولئك قوم فنوا وعدموا منذ مدة طويلة، فسمعه راهب فقال: ما كنت أحسب أن أحداً من العرب يعرف هذا، فقيل له: هذا ابن عباس ابن عم نبينا صلى الله عليه وسلم، فسكت.
قال ابن عطية: وبالشام، على ما سمعت من ناس كثير، كهف فيه موتى يزعم مجاوروه أنهم أصحاب الكهف وعليهم مسجد وبناء يسمى الرقيم ومعهم كلب رمة. قال [5] : وفي الأندلس في جهة أغرناطة بقرب قرية تسمى لوشة كهف فيه موتى ومعهم كلب رمة، وأكثرهم قد انجرد لحمه وبعضهم متماسك وقد مضت القرون السالفة ولم نجد من علم شأنهم ويزعم ناس أنهم أصحاب الكهف، قال: ودخلت إليهم ورأيتهم سنة أربع وخمسمائة وهم بهذه الحالة وعليهم مسجد وقريب منهما بناء رومي يسمى الرقيم كأنه قصر مخلق وقد بقي بعض جدرانه، وهو في فلاة من الأرض خربة، وبأعلى حضرة أغرناطة مما يلي القبلة آثار مدينة قديمة رومية يقال لها مدينة دقيوس وجدنا في آثارها غرائب وقبوراً.
وقال المسعودي [6] : قيصر فلبس هو الذي دعي إلى دين [1] راجع ما تقدم في مادة ((البذندون)) . [2] البكري: 27، وابن الوردي: 14. [3] الاطريفل: دواء مركب فيه بعض الاهليلجات او كلها، ويزداد فيه بحسب الحاجة من الأقوايه (مفيد العلوم: 8) . [4] انظر زاد المسير 5: 107 وكذلك سائر كت التفسير، كالطبري والكشاف والرازي ... الخ. وقارن بياقوت (الرقيم) . [5] أورد الزهري تفصيلات كثيرة حول الكهف القريب من لوشة (ص 94 - 95) وقد رآه ورأى من فيه سنة 532. [6] التنبي والأشراف: 133.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 271