اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 170
لطمته، قال: وتقيده مني وأنا ملك وهو سوقة! قال: إما أن ترضيه وإلا أقدته منك، فإنه قد جمعه وإياك الإسلام فما تفضله إلا بالعافية، قال: والله لقد رجوت أن أكون في الإسلام أعز مني في الجاهلية، قال عمر رضي الله عنه: لا بد من ذلك، قال: إذاً أتنصر، قال: إن تنصرت ضربت عنقك. قال: واجتمع قوم جبلة وبنو فزارة فكادت تكون فتنة، فقال جبلة: أخرني إلى غد يا أمير المؤمنين، قال: ذلك لك، فلما كان جنح الليل خرج هو وأصحابه فلم ينثن حتى دخل القسطنطينية على هرقل فتنصر، وأعظم هرقل قدوم جبلة وسر بذلك وأقطعه الأموال والأرضين والرباع.
قال: ويحكى أنه لما بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى هرقل يدعوه إلى الإسلام، فأجابه إلى المصالحة على غير الإسلام، فلما أراد أن يكتب جواب عمر رضي الله عنه قال للرسول: ألقيت ابن عمك جبلة هذا الذي ببلدنا يعني جبلة بن الأيهم الذي جاء راغباً في ديننا؟ قال: ما لقيته، قال: القه ثم إيتني أعطك جواب كتابك، قال الرسول: فذهبت إلى باب جبلة فإذا عليه من القهارمة والحجاب والبهجة وكثرة الجمع مثل ما على باب قيصر، قال الرسول: فلم أزل ألطف في الأذن حتى أذن لي، فدخلت فرأيت رجلاً أصهب اللحية ذا سبال وكان عهدي به أسمر أسود اللحية والرأس؛ فنظرت إليه فأنكرته، وإذا به قد دعا بسحالة الذهب فذرها في لحيته حتى عاد أصهب، وهو قاعد على سرير من قوارير قوائمه سود من ذهب، قال: فلما عرفني رفعني معه على السرير فجعل يسائلني عن المسلمين، فذكرت خيراً وقلت: قد أضعفوا أضعافاً على ما تعرف، قال: وكيف تركت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قلت: بخير، فرأيت الغم في وجهه، قال: فانحدرت عن السرير، قال: لم تأبى الكرامة التي أكرمناك؟ قلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن هذا، قال: نعم صلى الله عليه وسلم، ولكن نق قلبك من الدنس ولا تبال ما قعدت عليه، فلما سمعته يقول صلى الله عليه وسلم طمعت فيه، وقلت له: ويحك يا جبلة ألا تسلم وقد عرفت الإسلام وفضله؟ قال: بعدما كان مني؟ قلت: نعم، قد فعل رجل من بني فزارة أكثر مما فعلت، ارتد عن الإسلام وضرب وجوه المسلمين بالسيف ثم رجع إلى الإسلام، فقبل منه ذلك وخلفته بالمدينة مسلماً، قال: ذرني من هذا إن كنت تضمن لي أن يزوجني عمر ابنته ويوليني الأمر من بعده رجعت إلى الإسلام، قال: فضمنت له التزويج ولم أضمن له الأمر، قال: فأومأ إلى خادم بين يديه فذهب مسرعاً فإذا خدم قد جاءوا يحملون الصناديق فيها الطعام، فوضعت صحاف الذهب وموائد الفضة، فقال لي: كل، فقبضت يدي وقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الأكل في آنية الذهب والفضة، قال: نعم صلى الله عليه وسلم، ولكن نق قلبك وكل فيما أحببت، قال: فأكل في الذهب والفضة وأكلت في الخلنج، قال: فلما رفع الطعام جيء بطساس الفضة وأباريق الذهب، وقال: اغسل يدك فأبيت من ذلك، فغسل في الذهب وغسلت في الصفر، ثم أومأ إلى خادم بين يديه فمر مسرعاً فسمعت حساً فإذا خدم معهم كراسي مرصعة بالجوهر، فوضعت عشرة عن يمينه وعشرة عن يساره، فسمعت حساً فإذا عشر جوار قد أقبلن مضمومات الشعور متكسرات في الحلي عليهن ثياب الديباج، فلم أر وجوهاً قط أحسن منهن فأقعدهن على الكراسي عن يمينه، ثم خرج عشر من الجواري في الشعور عليهن ثياب الوشي متكسرات في الحلي فأقعدهن على الكراسي عن يساره، ثم سمعت حساً فالتفت فإذا جارية كأنها الشمس، على رأسها تاج، على ذلك التاج طائر لم أر أحسن منه، وفي يدها اليمنى جامة فيها مسك وعنبر فتيت، وفي يدها اليسرى جامة فيها ماء، فأومأت إلى الطائر أو قال: فصفرت بالطائر - فوقع في جامة ماء الورد فاضطرب فيها ثم أومأت إليه فوقع في جامة المسك والعنبر فتمرغ فيها، ثم أومأت إليه فطار حتى نزل في صليب تاج جبلة فلم يزل يرفرف حتى نفض ما في ريشه عليه، وضحك جبلة من شدة السرور حتى بدت أنيابه، ثم التفت إلى الجواري التي عن يمينه فقال لهن: بالله أضحكننا فغنين بخفق عيدانهن وقلن:
لله در عصابة نادمتها ... يوماً بجلق في الزمان الأول
يسقون من ورد البريص عليهم ... بردى يصفق بالرحيق السلسل
أولاد جفنة حول قبر أبيهم ... قبر ابن مارية الكريم المفضل
يغشون حتى ما تهر كلابهم ... لا يسألون عن السواد المقبل
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 170