اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 144
باعة وغوغاء، وعلى نحو عشرة أميال منها نهر بجردة وهو على الطريق إلى المغرب، ويقال إن من شرب منه قسا قلبه، فأكثر الناس يجتنبون شربه.
وتونس من أشرف مدن إفريقية وأطيبها ثمرة وأنفسها فاكهة، وسميت تونس لأن المسلمين كانوا لما فتحوا إفريقية ينزلون بازاء صومعة ترشيش - راهب كان هناك - ويأنسون بصوت الراهب فيقولون: هذه الصومعة تؤنس، فلزمها هذا الاسم.
وامتحن أهل تونس أيام أبي يزيد بالقتل والسبي وذهاب الأموال وقال بعضهم:
لعمرك ما ألفيت تونس كاسمها ... ولكنني ألفيتها وهي توحش وبها أصناف من الحوت الذي لا يكون مثله في غيرها ما لا يحصى كثرة [1] ، أجناس كثيرة تجري في البحر مع شهور العجم، فهم منه في لذة موصولة، وفيه صنف يقال له البقونس، ومن أمثالهم: لولا البقونس لم يخالف أهل تونس.
ومن تونس علي بن زياد الفقيه صاحب مالك بن أنس، والإمام العابد محرز بن خلف التميمي ذو المناقب المشهورة والآثار المأثورة أخباره مصنفة وقبره بتونس بدار يتبرك به، وبها من الصالحين والأخيار عدة لا تحصى، ويقال إن تونس تقصم الجبابرة وهم ينشدون:
وكل جبار إذا ما طغى ... وكان في طغيانه يسرف
أرسله الله إلى تونس ... فكل جبار بها يقصف ونزل عليها عبد المؤمن بن علي سنة أربع وخمسين وخمسمائة فحصرها ثم دخلها عليهم، واختلفت عليها ولاة الموحدين إلى أن نزل عليها يحيى بن إسحاق الميورقي فحاصرها أيضاً ثم ملكها وأغرم أهلها مائة ألف دينار وعنف نوابه على التأني في تقاضيها ثم خرج عنها لما بلغه تحرك صاحب المغرب أبى عبد الله محمد بن المنصور يعقوب إليه، ووالى عليه الهزائم كبير أصحابه الشيخ أبو محمد عبد الواحد المرة بعد المرة، ثم ولي تونس بعد انفصال الملك الناصر أبي عبد الله إلى المغرب فساس الناس سياسة طال عهدهم بها، وأمنهم ورعاهم فرأوا من بركات أيامه وحسن رعيته ما غبطهم به وأحبوه الحب الشديد، ووليها بعده الملوك من ولده فاشتهر ذكرها واستوسق أمرها وصارت حضرة الملوك وانعكس أمر المغرب وسقط نجم مراكش.
توسيهان:
مدينة كانت للروم قديمة بجزيرة أبي شريك فخربت وبقي في مكانها قصر هو بالقرب من نابل [2] .
توزر [3] :
هي قاعدة كور قصطيلية من البلاد الجريدية، ولها سور عظيم حصين وبها نخل كثير جداً وتمرها كثير يعم بلاد إفريقية وبها الأترج الكثير الطيب، والبقول بها موجودة متناهية في اللذة والجودة، وسعر طعامها غال في أكثر الأوقات لأنه يجلب إليها والحنطة والشعير بها قليلان، وبينها وبين الحمة مرحلة صغيرة.
وعليها [4] هلك علي بن إسحاق الميورقي جاءه سهم في ترقوته فقضى نحبه، وكان انتقم من أهلها سنة اثنتين وثمانين وخمسمائة وحصرها مدة وضيق عليها وتحرك إليه صاحب مراكش فكان من أمره ما ذكر.
وهي مدينة كبيرة قديمة عليها سور مبني بالحجارة والطوب وحولها أرباض واسعة ولها أربعة أبواب وعليها غابة كبيرة وهي أكثر بلاد الجريد تمراً ومنها تمتار جميع بلاد إفريقية وبلاد الصحراء بالتمر لكثرته بها ورخصه، ولأنها على طرف الصحراء لا يعلم ما وراءها ولا قدر أحد قط على الدخول في الصحراء التي في قبلتها، ويقال إن بتلك الصحراء وادي رمل يجري مجرى المياه وهذا مستفيض، وأهلها من بقايا الروم الذين كانوا بإفريقية قبل الفتح، وكذلك أكثر أهل قصطيلية ببلاد الجريد لأنهم في دخول [1] زيادة من البكري: 41. [2] قال الإدريسي (د) : 118 ومنها (أي جزيرة باشو) قصر على البحر يسمى نابل، وكان بالقرب من هذا القصر في أيام الروم مدينة كبيرة عامرة فخربت وبقي الآن مكانها وهو قصر صغير، وكذلك قصر توسيهان بالقرب منها أثر مدينة كانت عامرة في أيام الروم فخربت وبقي مكانها. [3] المؤلف ينقل عن الإدريسي (د/ ب) : 104/ 75. [4] الاستبصار: 155.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 144