اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 105
البصرة:
بالعراق، وهي كانت قبة الإسلام، ومقر أهله، بنيت في خلافة عمر رضي الله عنه سنة أربع عشرة واختط عتبة بن غزوان المنازل بها وبنى مسجداً من قصب، ويقال بل كان ذلك سنة سبع عشرة. وعتبة أول من اختطها ونزلها في ثمانمائة رجل وهو الذي فتح الأبلة. وبالبصرة خطب عتبة بن غزوان خطبته المشهورة وهي ثابتة في صحيح مسلم [1] ، أولها: أما بعد فإن الدنيا آذنت بصرم وولت حذاء، إلى آخرها ...
قالوا: وبشرقيها مياه الأنهار منفرشة، وهي نيف على ثمانية آلاف نهر، وهي في مستو من الأرض لا جبال فيها. وقيل كان فيها سبعة آلاف مسجد ثم خلا أكثرها وما بقي فيها إلا ما دار بالمسجد الجامع الذي فيها. وبالبصرة نهر يعرف بنهر الأبلة طوله اثنا عشر ميلاً وهو مسافة ما بين البصرة والأبلة، وعلى جانبي هذا النهر قصور وبساتين متصلة كأنها بستان واحد ويحويها حيط واحد، وينصب إلى هذا النهر عدة أنهار مما يقاربه أو يماثله في الكبر، وجميع نخيلها في اعتدال قدوده ونضارة فروعه كأنها أفرغت في قالب واحد وغرس سائره في يوم واحد، وجميع أنهار البصرة المحيطة بشرقيها يصب بعضها في بعض، وينشعب بعضها من بعض وأكثرها يدخله المد والجزر من البحر، فإذا دخل المد تراجعت مياه الأنهار فصبت في البساتين والمزارع وسقتها، وإذا كان الجزر عادت الأنهار جارية على حسب عادتها.
وحكى الخليل فيه ثلاث لغات: ضم الباء وفتحها وكسرها.
ولها نهران أحدهما يعرف بنهر ابن عمر - وجه عمر بن الخطاب ابنه عبد الله رضي الله عنهما لحفره فنسب إليه والآخر يعرف بنهر حسان وهو حسان النبطي صاحب خراج العراق، وبين البصرة والكوفة ثمانون فرسخاً.
وسبب بنائها أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه وهو على حرب العراق يستنبئ ما الذي غير ألوان العرب ولحومهم، فكتب إليه أن العرب غير ألوانها وخومة المدائن ودجلة، فكتب إليه أن العرب لا يوافقها إلا ما يوافق إبلها من البلاد فابعث سلمان وحذيفة رضي الله عنهما، وكانا رائدي الجيش، ليرتادا منزلاً ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر، فبعث سعد حذيفة وسلمان رضي الله عنهم حتى أتيا الأنبار، فسار سلمان رضي الله عنه في غربي الفرات لا يرضى شيئاً حتى أتى الكوفة، وسار حذيفة رضي الله عنه في شرقيه حتى أتى الكوفة فأكبا عليها وفيها ديارات ثلاثة منها، دير حرقة بنت النعمان، فأعجبتهما البقعة، فنزلا فصليا وقال كل واحد منهما: اللهم رب السموات وما أظلت ورب الأرضين وما أقلت، ورب الرياح وما أذرت، والنجوم وما هوت، والبحار وما حوت، بارك لنا في هذا الكوفة واجعله منزل ثبات ثم رجعا إلى سعد رضي الله عنه بالخبر.
وفي رواية أن عمر رضي الله عنه كتب إلى سعد رضي الله عنه أن العرب لا يصلحها من البلدان إلا ما يصلح الشاة والبعير وسأل من قبله عن هذه الصفة فأشار عليه من رأى العراق من وجوه العرب وعلمائها باللسان لسان البر الذي أدلعه في الريف، وهو نهر الكوفة فكتب عمر إلى سعد رضي الله عنهما يأمره بنزوله، وبين هذا اللسان وبين القادسية ثمانية فراسخ، فارتحل سعد رضي الله عنه من المدائن بالناس حتى عسكر في الكوفة سنة سبع عشرة. واستقر أيضاً بأهل البصرة منزلهم اليوم فاستقرا في قرارهما في شهر واحد،، قيل بصرت البصرة سنة أربع عشرة وكوفت الكوفة سنة سبع عشرة، فبصر البصرة لعمر رضي الله عنه عتبة بن غزوان ثم استعمل عليها المغيرة بن شعبة، ثم عزله عمر رضي الله عنه واستعمل أبا موسى رضي الله عنه، ثم إن القوم استأذنوا عمر رضي الله عنه في بنيان القصب فقال: العسكر أجد لحربكم وما أحب أن أخالفكم فشأنكم، فابتنى أهل المصرين بالقصب. ثم إن الحريق وقع بالكوفة والبصرة وكان أشدهما حريقاً الكوفة، احترق فيها ثمانون عروساً ولم تبق فيها قصبة فبعث سعد إلى عمر رضي الله عنهما منهم نفراً يستأذنونه في البناء باللبن ويخبرونه عن الحريق فأذن لهم وقال: لا يزيد أحدكم على ثلاثة أبيات ولا تطاولون في البنيان والزموا السنة تلزمكم الدولة، وعهد عمر رضي الله عنه إلى الناس وتقدم إلى الناس لا يرفعوا بنياناً فوق القدر، قالوا: وما القدر؟ قال: ما لا يقربكم من السرف ولا يخرجكم عن القصد.
ولما بلغ عمر رضي الله عنه أن سعداً وأصحابه رضي الله عنهم قد بنوا بالمدر قال: قد كنت أكره لكم ذلك فأما إذا فعلتم فعرضوا الحيطان وأطيلوا السمك وقاربوا الخشب، وعلى الجملة [1] صحيح مسلم 2: 368.
اسم الکتاب : الروض المعطار في خبر الأقطار المؤلف : الحميري، ابن عبد المنعم الجزء : 1 صفحة : 105