اسم الکتاب : الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة المؤلف : عز الدين ابن شداد الجزء : 1 صفحة : 95
اختلف العلماء في السبب المقتضي لخرابه، وفي أي زمان خرب ومن أخربه اختلافاً كثيراً، ملخصه: أنه خرب مرتين فُسر بهذا القول، قوله تعالى:) وقَضَيْنا إلى بَني إسرَائيلَ في الكِتَاب لَتُفْسِدُنَّ في الأَرض مَرَّتَيْن وَلَتَعْلُنَّ عُلُوَّا كبيراً. فإذَا جَاء وَعْدُ أُولاَهُما بَعَثْنا عَليْكم عِباداً لنا أُولي بَأسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلاَلَ الدَّيَار وكان وَعْداً مَفْعُولاً. ثُم رَدَدْنا لَكمُ الكَرَّةَ عَلَيْهم وَأمْدَدْناكم بأمْوالٍ وَبَنين وجعلَناكُم أكثَر نَفِيرا. إن أحْسَنْتُمْ أحْسَنْتُم لأَنْفُسِكُمْ وَإنْ أسأتُمْ فَلَها فإذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرة لِيَسُؤُوا وُجُوهَكُم وَلِيدْخْلُوا الَمسْجدَ كما دَخَلُوه أولَ مرةٍ وليُتَبَّرُوا ما عَلَوْا تتْبِيراً. عَسَى رَبُّكُمْ أن يَرْحَمَكم وإن عُدْتُمْ عُدْنا وَجَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ حَصِيراً (.
المرة الأولى:
خربة بخت نصر. ويقال فيه بخت ناصر. وسببُ خرابه له مختلف فيه. فقال قوم: قتل بني إسرائيل يحيى بن زكريا. والمحققون من أصحاب التواريخ والسير يدفعون هذا القول وينكرونه، فانَّ بخت نصر عندهم غزا بني إسرائيل عند قتلهم نبيهم " شعيا " في عهد أرميا بن حلقيا. وبين عهد أرميا وقتل يحيى أربعمائة وإحدى وستون سنة عند اليهود والنصارى. ويزعمون أن ذلك في كتبهم وأسفارهم. وأن الذي أخذ بثأر جرواش. وهي المرة الأخيرة.
ويُقال: إن الذي استعمله بهمن بن بشتاسب ابن لهراسب. وكان بخت نصر خدم جده وأباه، وخدمه أيضاً. وعمّر طويلاً. فأرسل بهمن رسلاً إلى ملك بني إسرائيل بالبيت المقدس فقتلهم الإسرائيلي. فغضب بهمن من ذلك واستعمل بخت نصر على إقليم بابل. وسيره في الجنود الكثيرة فأوقع بهم.
وحكى أبو حنيفة الدينوريّ في " كتاب الأخبار الطّوال " شيئاً غير هذا: " وهو أن سليمان بن داود عليهما السلام، لما مات اجتمع عظماء فارس وأشرافها ليختاروا رجلاً من ولد كيقباذ الملك فيملكوه عليهم، فوقع اختيارهم على الهراسف " وأن لهراسف " عقد لابن عمه بخت نصر بن كامجار بن كيانبه في اثني عشر ألف رجل من خيله. وأمره أن يحارب الشام فيحارب ارخبعم بن سليمان فان كان الظفر له قتل من قدر عليه من عظماء مدينة بني إسرائيل وهي إيليا وهدمها.
فسار بخت نصر حتى أتى الشام فشن بها الغارات، " وعاث " فانهزم ملوكه منه وهرب أرخبعم من بيت المقدس " فنزل فلسطين فتوفي بها " وأقبل بخت نصر " حتى " ورد ايليا، فدخلها لا يمتنع منه أحد. فوضع في بني إسرائيل السيف، فقتل منهم ثلاثمائة ألف نفس، وسباهم، وهدم المدينة فلم يدع فيها بيتا قائماً، ونقض المسجد. وحمل ما كان فيه من الذهب والفضة والجوهر وحمل كرسي سليمان. وقفل راجعاً إلى العراق.
وكان في الأسرى دانيال النبي عليه السلام فسار حتى قدم على لهراسف الملك وهو نازل بالسوس، فمات عنده.
ويقال إن البيت المقدس بقي خراباً إلى أن عمره " كورش " الفارسي. واسمه في اللغة الفارسية " بهمن ".
فإنه أذن لبني إسرائيل في العود إلى أورشليم، وبنى إيليا والبيت المقدس وذلك بعد سبعين سنة من خرابه.
وفي أثناء هذه الفترة أمر الله أرميا - وهو المسمى عُزَيْراً - بالخروج من مصر وعوده إلى الشام. فسار حتى أشرف على بيت المقدس وهو خراب فقال:) أني يُحيِى هَذِه اللهُ بَعْدَ مَوْتها فَأَمَاتهُ اللهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ (بعد أن عمر بيت المقدس.
المرة الثانية:
خربه " جرواش " ملك بابل. ويُحكى في سبب ذلك: أن ملكهم " هيرودس " أراد أن يتزوج بنت امرأةٍ له، فنهاه يحيى بن زكريا عن ذلك، فطلبت المرأة منه قتل يحيى. فأرسل إليه فأحضروه، ودعي بطشتٍ فذبحه فيه، وهو يقول: لا يحلّ لك.
وبقي دمه يغلي، فطرح عليه تراب حتى بلغ سور المدينة فلم يسكن، فسلط الله عليهم جرواش في جمع عظيم فحصرهم، فلم يظفر بهم، فأراد الرجوع فأتته أمراء من بني إسرائيل فقالت: بلغني أنك تريد العود، فقال: نعم، وقد طال المقام وقلت الميرة. فقالت: إن فتحت لك المدينة أتقتل من آمرك بقتله؟ قال: نعم. قالت: فتكف إذا أمرتك؟ قال: نعم. قالت: اقسم جندك أربعة أقسام ثم أرفعوا أيديكم إلى السماء وقولوا اللهم إنا نستفتحك على دم يحيى بن زكريا.
اسم الکتاب : الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة المؤلف : عز الدين ابن شداد الجزء : 1 صفحة : 95