اسم الکتاب : الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة المؤلف : عز الدين ابن شداد الجزء : 1 صفحة : 179
" وفي سنة ثمان وخمس مائة وصل قراجا الساقي - مملوك السلطان محمد - إلى باب ميافارقين ونزل الرّوابي، والمعين بالبلد، وقراجا لا يظهر إلا أنه عابر سبيل، وهو ينتظر من يلحقه من أصحابه، ولم يراسل المعين ولم يكلمه بل يركب كل يوم للصيد، ويسير ويعبر على باب البلد. فعبر يوما السلسلة بالسيف فقطعها، ودخل ".
ووثب رجل، ومشى بين يديه إلى باب القصر، فبقي ساعة، ثم فتح له، ودخل الأمير قراجا ونزل المعين إلى دار ابن موسك واستقل قراجا بالبلد واستوزر المعين " وردّ إليه الأمور كلها وبقي قراجا بميافارقين مدة. ثم نفذ سلطان محمد في طلبه، فسار إليه فولاه " شيراز، وفارس. " ونفذ السلطان إلى جكرمش - صاحب الموصل - يأمره أن ينفذ إلى ميافارقين واليا ويحضر زوجة قراجا.
فسير إليها عماد الدين زنكي بن آق سنقر وكان له في ذلك الوقت تل يعفر لا غير ".
وفي ولايته تطاولت الأيدي إلى ميافارقين وأخذت من كل جانب، وخرب أكثر بلدها.
أخذ منه الأمير سقمان بن أرتق بحصن كيفا بلد حزة مقدار مائة ضيعة، قاطع الشط إلى شط أرزن.
وأخذ نجم الدين إيل غازي إلى بلد الحياطلة من قاطع دجلة إلى الجبل نحو ثمانين ضيعة.
وأخذ " الأمير إبراهيم صاحب آمد نحو ثلاثين ضيعة " " وأخذ الأمير " سباروخ - صاحب حاني - رأس الحير.
وأخذ الأمير أحمد بلد الهتاخ.
وأخذت السناسنة نحو ثلاثين قرية.
وأخذ حسام الدولة - صاحب أرزن - من بين النهرين خمس عشرة ضيعة.
كل ذلك لقلة حماتها.
ابتداء ولاية نجم الدين إيلغازي بن سقمان بن أرتق وملكه ميافارقين
سبب ذلك أن نجم الدين إيلغازي بن سقمان بن أرتق قصد خدمة السلطان محمد السلجوقي حلوان.
ثم أعطاه شحنكية بغداد، فأقام مدة إلى سنة اثنتي عشرة، فوقع له بميافارقين. وكتب إلى الرزبيكي أن يسلمها إليه، فسار إليه نجم الدين إيلغازي وتسلمها في الرابع عشر جمادى الآخرة من السنة، فدخلها وملكها، وخرج الرزبيكي فنزل على الروابي ثلاثة أيام، فلما كان اليوم الرابع وصله رسول من السلطان محمد يأمره ألا يسلمها. فوجد الأمر قد فات.
واستقر نجم الدين بميافارقين وأظهر العدل، وأسقط عنهم الكلف والمؤن.
وكانت ميافارقين قد خرجت أكثرها من الظلم والإنزال، وما كان يلقى أهلها من الأجناد. وإخراجهم من بيوتهم.
فلما ملكها نجم الدين استقروا في دورهم، وزال النزال عنهم. فكان الجند الذين مالهم مساكن ينزلون في خرابات المدينة في فركاهات. وكانت البلاد مخيفة من الحرامية والقوافل لا تسير من ميافارقين إلى آمد وحاني وأرزن وماردين وحصن كيفا إلا ومعهم خيل تخفرهم في هذه المسافة القريبة. فحيث ملك نجم الدين أمنت البلاد والطرقات، وانهزمت الحرامية وعمرت الضياع ومدت ميافارقين في العمارة. وساس الناس أحسن سياسة. وبقي إلى سنة ثلاث عشرة وخمس مائة.
ولقي الفرنج وكسرهم كسرة عظيمة وغنم منهم شيئا كثيرا وهي كسرة البلاط.
وفي سنة أربع عشرة وخمس مائة ملك نجم الدين نصيبين وسار إليه القاضي علم الدين أبو الحسن بن نباتة وجماعة من أكابر ميافارقين ولقوه بنصيبين وهنؤوه بفتحها، فخلع عليهم وأجازهم.
وفي سنة خمس عشرة نفذوا أهل تفليس إلى نجم الدين إيلغازي يستدعونه ليسلموا إليه تفليس فسار إليها ومعه " نور الدولة " دُبيس بن " سيف الدولة صدقة المزيدي وكان صهر نجم الدين على ابنته كهار خاتون فسار بالعساكر فوجد تفليس مُحاصرة في غاية الضِّيق، وكان المُحاصر لها الملك داود ملك الكرج والأنجاز ومعه خلقٌ لا يحصى.
وكان قد وصل إلى تفليس السلطان طغرل بك وفخرُ الدين طُغان أرسلان بن الأحدب فاقتتلوا قتالا عظيما، قَتل وأسَر من المسلمين مالا يحصى.
وعاد نجم الدين هزيما في عشرين فارسا إلى ميافارقين، ومعه صهره دُبيس، فأقام مدة، ثم سار إلى ماردين، وأقام بها سنة ستة عشرة وخمس مائة.
ذكر وفاة نجم الدين إيلغازي
في هذه السنة مرِض نجم الدين إيلغازي بماردين وحُمل إلى أوشل بميافارقين ومعه إيلخاتون بنت طغتكين وولده شمس الدولة سليمان، وتخلف السعيد حسام الدين " تمرتاش " بماردين.
وتُوفي نجم الدين إيلغازي يوم الخميس سابع عشر شهر رمضان من سنة ست عشرة وخمس مائة بالأوشل.
اسم الکتاب : الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة المؤلف : عز الدين ابن شداد الجزء : 1 صفحة : 179