اسم الکتاب : الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة المؤلف : عز الدين ابن شداد الجزء : 1 صفحة : 176
واستدعي إلى باب السلطان فحمل معه ما كان تحصل من الأموال، وسار إلى السلطان. وكان إذ ذاك ببغداد وترك ولده أبا الحسن بميافارقين على ديار بكر فلما وصل الكافي إلى الموصل بلغه أن السلطان ملكشاه مات ببغداد مسموما في شوال من السنة، وحُمل إلى إصبهان، ودُفن بها، ورُتب في السلطنة ولده بك ياروق ولُقب شهاب الدولة وخُطب له ببغداد وكان عادلا، وخلع عليه المقتدي واستقر في السلطنة.
ذكر ملك ناصر الدولة ميافارقين
ووصل خبر موت السلطان إلى ميافارقين فاختبط الناس بها واختلفوا. ثم اتفقوا على أن يُنفذوا إلى السلطان بك ياروق يستدعونه أو نائبا يتسلم البلاد. فهي بلاد أبيك. فلم يكن له فراغ، وطال الأمر، فاجتمع الناس ثانيا، ووقع اتفاقهم على الشيخ أبي سالم يحيى بن الحسن بن المحور لما علموا دينه وعقله فألزموه بذلك وأجلسوه في القصر مُكرها، وسلمت إليه مفاتيح البلد، فلما طال عليهم الأمر وتعذر وصول السلطان اختلفوا أيضا فقال قوم: نستدعي ناصر الدولة ابن مروان وكان بحربى عند موت السلطان، فقصد الجزيرة وملكها.
وكره بعض الناس بيت مروان لما عاينوا من عدل السلطان وإحسانه.
وكان في المدينة رجل يعرف بابن أسد فرأس الجُهال والسوقة والرعاع. وجعل يدور على السور والمدينة ويحفظها. فلما طال عليهم الأمد اتفقوا على أن سييروا إلى نصيبين إلى السلطان تاج الدولة تتش بن ألب أرسلان - أخي ملشكاه - وكان له دمشق وحلب والشامين فلما بلغه موت أخيه سار إلى الرقة وملكها، ونزل على نصيبين، فوصل إليه رؤساء ميافارقين ومقدموها فأكرمهم، فقالوا له: قد حفظنا لك البلدن، وأنت أخو السلطان وما نريد غيركم فقال: تصبرون أياما ونسير إلى آمد ثم إلى ميافارقين.
وكان ناصر الدولة قد ملك الجزيرة وسمع بخبر ميافارقين فنفذ إلى ابن أسد، ووعده بالجميل، فأجابه واستدعاه واتفق خلو ميافارقين فوصلها في أول سنة ست وثمانين وأربع مائة وتسلمها ونزل الشيخ ابن المحور من برج الملك، ودخلها ناصر الدولة، واستوزر ابن أسد ولُقب محي الدولة، وصعد إليه الشيخ أبو الحسن ابن المحور. فأمنه على نفسه وماله ومن يلوذ به، واستقر بميافارقين.
ذكر ملك تاج الدولة تتش ميافارقين وآمد
ووصل تاج الدولة تتش نصيبين " ثم إنه فتحها " سيفا، وقتل بها خلقا عظيما، ونهب وسبى ما لم يجرِ على الكفار مثله. وسار والجماعة معه إلى آمد وملكها بعد حصار شديد وبقي أياما، وسار إلى ميافارقين. وكان معه خلق عظيم فراسل أهل البلد وخوَّفهم مما جرى على أهل نصيبين.
ثم ركب السلطان، ونزل من الرابية، وقصد برج علي بن وهب، فحين رآه الناس صاحوا بأسرهم وسلم البلد إليه، فدخله من يومه وهو.. من ربيع الأول سنة ست وثمانين وأربعمائة.
وخرج الأمير منصور من باب الهوة ودخل مخيم الأمير الحاجب والوزير أبي النجم. وكانت مدة ولايته " الأخيرة " خمسة أشهر.
واستقر السلطان بميافارقين وأحسن إلى أهلها وأسقط عنهم الأعشار والمؤن والكلف، وحصل الناس معه في أهنأ عيش. ونفذ إلى الكافي ابن جهير والوزير أبي طاهر بن الأنباري ليستوزرهما أو أحدهما. فسبق الكافي فاستورزه، ووصل بعده الوزير أبو طاهر بأيام، ففاتته الوزارة، فسلم إليه ميافارقين ورتبه بها، ورتب بالقصر مملوكا له يسمى طغتكين وسار بجمع العساكر، وأقام بحران لتكتمل العساكر فيمضي إلى بك ياروق بصافُّه.
وكان ابن أسد لما ملك السلطان " ميافارقين " انهزم وانهزم واختفى ببعض البلاد مدة. ثم قصد السلطان وامتدحه بقصيدة يقول فيها بيتا - الفأل موكل بالمنطق - وهو:
واسْتَحْلَبَتْ حَلَبٌ جَفْ، نيَّ فانهملا ... وَبشّرَتْني بِحَرِّ الشّوْقِ حَرَّانُ!!
فأُعجب السلطان بشعره، فقيل له: أيعرف مولانا السلطان من هذا؟ فقال: لا! قال: هذا ابن أسد الذي أحضر ناصر الدولة بن مروان وملكه ميافارقين فأمر بضرب عنقه بحران فقيل:
وبشرتني بحر القتل حران
كان الوزير أبو طاهر ابن الأنباري مقيما بميافارقين فلما قتل ابن أسد استشعر وخرج من ميافارقين وقصد الهتاخ في رابع عشر ذي القعدة من سنة سبع وثمانين وأربع مائة، فدخلها وأقام بها، وكان معه ولداه أبو القاسم، وأبو سعد، وابن أخيه محمد.
اسم الکتاب : الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة المؤلف : عز الدين ابن شداد الجزء : 1 صفحة : 176