اسم الکتاب : الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة المؤلف : عز الدين ابن شداد الجزء : 1 صفحة : 168
فلما وثق من الأمير جمع المشايخ إلى الجامع وقال لهم: إلى متى ما نحن فيه؟ قد خربت بيوتنا وأملاكنا، وبطلت مكاسبنا، وطال هذا الأمر، ومالنا من نستند إليه، وأمير فما يجيء منا، وقد انقلعنا في هوى من؟!. قالوا: فما الرأي؟ قال: الرأي أن تُصلح أحوالنا ونكاتب الأمير وخواجا في هذا الأمر، ونخاطبه في شروة ونسأله العفو عنه. فإن فعل وإلا فيتلف نحن بأسرنا. فقالوا الأمر إليك. فاتفقوا.
فخرج منهم " جماعة " إلى الأمير فأكرمهم وكتب لهم الأمان على كل ما طلبوه، وأمّن شروة، ودخلوا البلد وباتوا وأصبحوا وفتحوا أبواب البلد بأسرها. ودخل الأمير أبو نصر وخواجة والعساكر ونزل الأمير في دار شروة لأن قصر الإمارة كان قد خرب ونزل إليه شروة من برج الملك.
وكان دخوله البلد آخر سنة إحدى وأربعمائة ونظر في أمور لناس. واستوزر خواجا أبا القاسم لا يصدر إلا عن رأيه. وطرد أقواما مفسدين من الجند، وهرب من خاف من الباقين.
وولى أبا الحسن " أحمد " بن وصيف ناحية طنزى وتل فافان، ونفذه إليها.
وبقي مدة ثم قبض على شروة ونفذه إلى الموضع الذي قُتل فيه الممهد وصلبه هناك وجماعة من المفسدين، وأخلى ميافارقين ممن كان يرى رأي شروة وممن طلب الفساد. " وحمل تابوت الأمير أبي منصور إلى أرزن إلى قبة الأمير أبي علي - وكان مروان قد عمي، وهو وزوجته مقيمان هناك - فدُفن عند أخيه في القبة. ولم يُعقب الممهد.
ولما قُتل شروة انهزم ابن وصيف من تل فافان وقصد بغداد وأقام بها.
" واستقر ملك الأمير أبي نصر ولُقب بنصر الدولة واستولى على جميع ديار بكر، وراسلته الملوك.
ونفذ ابنُ دمنة إليه صهره مرتج إلى ميافارقين ومعه هدايا وتُحف، وألطاف. ودخل تحت حكمه، على ما كان مع أخيه ممهد الدولة من الحطبة والسكة، وحمل ما جرت به العادة ".
" وأن نصر الدولة أراد أن يُعمر قصره يسكنه. فعزم على عمارة القصر العتيق فأشاروا عليه أن يعمر القلعة على رأس التل ويكون القصر فيها فعزم على ذلك. فأشار خواجا أبو القاسم أن يعمر القصر موضعه الآن، وأن يكون برج الملك تحت حكمك. ويكون من جملة القصر. فابتدأ في عمارته في سنة ثلاث وأربعمائة ". واسمه مكتوب على باب القصر الوسطاني.
" وبنى المنظرة العتيقة. وغرس بستان القصر وقيل: كان في موضعه بيعة، وكان بعض دار السيدة بيعة ونقل شاهدها إلى بيعة الملكية ".
" وساق الماء إلى القصر من رأس العين وعمل البرك والحمامين في القصر ". وعند فراغ القصر، وهو آخر سنة ثلاث وأربع مائة - قبل العيد الكبير بثلاثة أيام -.
ووصل خادم من خداع الخليفة القادر بالله ومعه حاجب من فخر الملك ابن بويه يسمى أبا الفرج محمد بن محمد بن مزيد. ووصلته الخلع، والمنشور بديار بكر جميعها، ولقب بنصر الدولة وعمادها ذي الصرامتين.
وكانت الخلعة سبع قطع: قباء، وفرجية، وعمامة سوداء معممة، وطوق، وسوارين ذهب مرصعة، وسيف محلى، وفرس بمركب ذهب والتوقيع بجميع ديار بكر وقلاعها وحصونها.
وليس الأمير الخلع. وقرئ المنشور بحضرة القاضي والشهود، وأكابر الناس.
وفي عشية ذلك اليوم وصل رسول خليفة مصر الإمام الظاهر لإعزاز دين الله - وكان ولي بعد أبيه الحاكم - وورد معه الخلع والتحف والهدايا. وخرج إلى لقائه كل من في الدولة ".
" فلما كان في اليوم الثالث، بكرة ورد رسول ملك الروم ومعه من النقود، والجنايب، والهدايا، ما لم يسر مثله ".
" وأصبح اليوم الرابع العيد، وجلس الأمير نصر الدولة على التخت. وحضر رسول الخليفة ورسول السلطان فجلسا عن يمين نصر الدولة ورسول خليفة مصر، ورسول ملك الروم فجلسا عن الشمال. وحضر جميع الناس، والأمراء، وقرئ المنشور، وكان يوما مشهودا، خلع فيه الأمير خلعا عظيمة ". وكان ذلك كله برأي خواجا - الوزير - ومشورته.
" وكبر شأن نصر الدولة وتقررت مملكته، وفعل الخير، وعدل في الناس ".
اسم الکتاب : الأعلاق الخطيرة في ذكر أمراء الشام والجزيرة المؤلف : عز الدين ابن شداد الجزء : 1 صفحة : 168