اسم الکتاب : آثار البلاد وأخبار العباد المؤلف : القزويني ، زكريا الجزء : 1 صفحة : 335
الصفعات المغمية، والضربات المدمية، طلبوا حماراً، وكان حمار المكاري حاضراً، فتعادوا إليه، وأركبوا التاجر عليه، فالمكاري ذهب عنه القرار، وينادي بالويل ويعدو خلف الحمار، إلى أن طيف بجيمع المحال والبلد بغداد، فلما كان المساء ردوا الحمار إلى المكاري جائعاً سلم الطوى إلى التوى، والصدى إلى الردى! فأخذه المكاري مترحماً مد أذنيه، وتفل ما بين عينيه، وزاد في علفه، خوفاً من تلفه. فلما دنا الصباح، وظهر أثر النهار ولاح، قرع سمعه صوت أهول من الصيحة الأمسية، فالتفت المكاري فإذا المحتسب على الباب، وصاحب الشرطة كاشر الناب، فقال المكاري: ماذا حدث؟ قالوا: ذاك التاجر أخذ مرة أخرى مع غلام القاضي، كالسيف الماضي، فأراد المكاري أن يواري الحمار، فسبقت العامة إليه، وأركبوا التاجر عليه، والمكاري يعدو خلفه ويصيح، بعين باكية وقلب جريح، إلى أن طيف به في جميع المحال ثم ردوه إلى المكاري وقد أشرف على الهلاك، ولا يقدر على الحراك، فبات المكاري مسلوب القرار، في مداواة الحمار، فلما انتشرت أعلام الضوء، في أقطار الجو، صكت أذنه من الصيحتين الأوليين، فالتفت فإذا المحتسب في الدرب، وصاحب الشرطة منشمر للضرب، فقال المكاري: ماذا حدث؟ قالوا: ذاك التاجر أخذ مرة أخرى مع غلام الرئيس، كالدر النفيس، والعامة رأت حمار المكاري فعدت إليه فعدا المكاري إلى التاجر وقال: يا خبيث! ان لم تترك صنعتك الشنيعة، ولم ترجع عن فعلتك القبيحة، فاشتر حماراً يركبونك عليه كل يوم فقد أهلكت حماري، وأزلت قراري! وها أنا أقول ما قال المكاري للتاجر، إن أردت أن تكون كاتباً للأمير، فهييء النقس والطرس، وإلا فالزم البيت والعرس.
اسم الکتاب : آثار البلاد وأخبار العباد المؤلف : القزويني ، زكريا الجزء : 1 صفحة : 335