اسم الکتاب : آثار البلاد وأخبار العباد المؤلف : القزويني ، زكريا الجزء : 1 صفحة : 186
الحيرة
بلدة قديمة كانت على ساحل البحر بقرب أرض الكوفة، وكان هناك في قديم الزمان بحر. والآن ليس بها أثر البحر ولا المدينة، بل هي دجلة وآثار طامسة. وكانت الحيرة منزل ملوك بني لخم، وهم كانوا ملوك العرب في قديم الزمان، وإياهم أراد الأسود بن يعفر في قوله:
ماذا أؤمّل بعد آل محرّقٍ ... تركوا منازلهم وبعد إياد
أهل الخورنق والسّدير وبارقٍ ... والقصر ذي الشّرفات من سنداد
نزلوا بأنقرةٍ يسيل عليهم ... ماء الفرات يجيء من أطواد
أرضٌ يخيلها لطيب مقيلها ... كعب بن مامة وابن أمّ ذواد
جرت الرّياح على محلّ ديارهم ... فكأنّهم كانوا على ميعاد
ولقد عنوا فيها بأنعم عيشةٍ ... في ظلّ ملكٍ ثابت الأوتاد
فإذا النّعيم وكلّ ما يلهى به ... يوماً يصير إلى بلىً ونفاد
وبنى النعمان بن امريء القيس بن عمرو بن عدي قصراً بظاهر الحيرة في ستين سنة اسمه الخورنق، بناه رجل من الروم يقال له سنمار، وكان يبني السنتين والثلاث ويغيب الخمس، فيطلب فلا يوجد. وكان يبني على وضع عجيب لم يعرف أحد أن يبني مثله. ثم إذا وجد يحتج بحجة فلم يزل يفعل هذا ستين سنة. فلما فرغ من بنائه كان قصراً عجيباً لم يكن للملوك مثله. فرح به النعمان فقال له سنمار: اني لأعلم موضع آجرة لو زالت لسقط القصر كله، فقال له النعمان: هل يعرفها أحد غيرك؟ قال: لا! فأمر به فقذف من أعلى القصر إلى أسفله فتقطعت أوصاله، فاشتهر ذلك حتى ضرب العرب به المثل فقال الشاعر:
جزاني جزاه الله شرّ جزائه ... جزاء سنمّارٍ وما كان ذا ذنب
اسم الکتاب : آثار البلاد وأخبار العباد المؤلف : القزويني ، زكريا الجزء : 1 صفحة : 186