اسم الکتاب : آثار البلاد وأخبار العباد المؤلف : القزويني ، زكريا الجزء : 1 صفحة : 167
من النار التي ألقي فيها الخليل، عليه السلام. نحن نتبرك بها وتحمل المجوس منها إلى جميع بلادهم.
فقال له: من يقدر على إطفائها؟ قال: قرأنا في كتابنا أنه لا يقدر على إطفائها إلا عيسى بن مريم، عليه السلام. فأشار الحسين إليها بكمه فانطفت، فقامت على الديراني القيامة وقال: الله الله! قد انطفت في هذه الساعة جميع نيران المجوس شرقاً وغرباً! فقال له: من يقدر على ردها؟ فقال: قرأنا في كتابنا أنه يقدر على ردها من يقدر على إطفائها! فلم يزل يتضرع إلى الحسين ويبكي فقال له: هل عندك شيء تدفعه إلى هذه المشايخ وأردها؟ وكان عنده صندوق من دخل البيت من المجوس طرح فيه ديناراً، ففتحه وسلم ما فيه إلى المشايخ وقال: ما ها هنا غير هذا. فأشار الحسين بكمه إليها، فاشتعلت وقال:
دنيا تخادعني كأني لست أعرف حالها
حظر المليك حرامها فأنا اجتنيت حلالها
مدّت إلي يمينها فرددتها وشمالها
فمتى طلبت زواجها حتى أردت وصالها
ورأيتها محتاجةً فوهبت جملتها لها!
ومن ظريف ما نقل عنه أنه قال له بعض منكريه: إن كنت صادقاً فيما تدعيه فامسخني قرداً! فقال: لو هممت بذلك لكان نصف العمل مفروغاً عنه. فلما تكلم الناس في حقه بقوله أنا الحق قال:
سقوني وقالوا: لا تغنّ! ولو سقوا ... جبال سراةٍ ما سقيت لّغنّت!
تمنّت سليمى أن أموت بحبّها ... وأسهل شيءٍ عندنا ما تمنّت!
وحكى أبو عبد الله محمد بن خفيف قال: دخلت على الحسين بن منصور وهو في الحبس مقيداً. فلما حضر وقت الصلاة رأيته نهض، فتطايرت منه القيود وتوضأ وهو على طرف المحبس، وفي صدر ذلك المحبس منديل. وكان بينه وبين المنديل مسافة، فوالله ما أدري أن المندير قدم إليه أو هو إلى المنديل! فتعجبت من ذلك وهو يبكي بكاء فقلت له: لم لا تخلص نفسك؟ فقال: ما أنا محبوس! أين تريد يا ابن خفيف؟ قلت: نيسابور! فقال: غمض عينيك! فغمضتهما. ثم قال: افتحهما. ففتحت فإذا أنا بنيسابور في محلة أردتها. فقلت: ردني. فردني وقال:
والله لو حلف العشّاق أنّهم ... موتى من الحبّ أو قتلى لما حنثوا
قومٌ إذا هجروا من بعد ما وصلوا ... ماتوا وإن عاد وصلٌ بعده بعثوا
ترى المحبّين صرعى في ديارهم ... كفتية الكهف لا يدرون كم لبثوا
ثم قال: يا ابن خفيف، لا يكون الحزن إلا لفقد محبوب أو فوت مطلوب! والحق واضح والهوى فاضح. والخلق كلهم طلاب وطلبهم على قدر هممهم، وهممهم على قدر أحوالهم، وأحوالهم مطبوعة على علم الغيب، وعلم الغيب غائب عنهم، والخلق كلهم حيارى. وأنشأ يقول:
أنين المريد لشوقٍ يزيد ... أنين المريض لفقد الطّبيب
قد اشتدّ حال المريدين فيه ... لفقد الوصال وبعد الحبيب
ثم قال: يا ابن خفيف، حججت إلى زيارة القديم فلم أجد لقوم موضعاً من كثرة الزائرين، فوقفت وقوف البهيت، فنظر إلي نظرة فإذا أنا متصل به، ثم قال: من عرفني ثم أعرض عني فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين. وجعل يقول:
عذابه فيك عذبٌ ... وبعده منك قرب
اسم الکتاب : آثار البلاد وأخبار العباد المؤلف : القزويني ، زكريا الجزء : 1 صفحة : 167