وكان مسلم بن عقبة، بعد ما أوقع بأهل المدينة يوم الحرة في إمرة يزيد بن معاوية، وأنهبها ثلاثاً، أتي بقوم من أهل المدينة؛ فكان أول من قدم إليه محمد بن أبي جهم؛ فقال له: " تبايع أمير المؤمنين يزيد على أنك عبد قن! فإن شاء أعتقك، وإن شاء، استرقك! " قال محمد: " بل، أبايع على أني ابن عم كريم حر! " فقال: " اضربوا عنقه "؛ فقتل؛ ثم قدم إليه يزيد بن عبد الله بن زمعة؛ فقال له مثل ذلك؛ فأجابه مثل جواب محمد فقدمه، فقتله؛ ثم قدم إليه سعيد بن المسيب؛ فقال له: " بايع أمير المؤمنين على أنك عبد قن! فإن شاء أعتقك، وإن شاء استرقك! " قال سعيد: " لا أبايع عبداً ولا حراً! " فقال مسلم: " مجنون والله! " للذين أتيا به؛ فحنقاه حتى ثقل في أيديهما؛ فظنا أنه قد مات؛ فأرسلاه؛ فسقط؛ ثم أفاق؛ فقال: " لا والله! لا والله! "، فتقدم إليه مروان بن الحكم، وعمرو بن عثمان؛ فشهدا أنه مجنون؛ فقال: " قد ظننت ذلك، أرسلاه! " فانصرف راجعاً إلى المدينة؛ فلحقه مروان وعمرو بن عثمان، فقالا له: " الحمد لله الذي سلمك يا أبا محمد "، فقال: " اذهبا إليكما، أتشهدان بالزور وأنا أسمع، وتنفسان على الشهادة؟! والله لا أكلمكما أبداً! ".
وأما صخير بن أبي جهم، فإنه اعترض مصعب بن عبد الرحمن بن عوف، ومصعب يومئذ على شرط مروان بن الحكم؛ فحطمه بقضيب معه، فكسر أنفه؛ ثم هرب؛ فاشتملت عليه بنو عدي؛ فطلبه مصعب؛ فلم يقدر عليه. وقدم معاوية في تلك السنة؛ فمشت إليه بنو عدي، فكلموه أن يعرض عن صخير، ويقتص منه مثل الذي فعل به؛ فكلمه معاوية؛ فأبى أشد الإباء؛ فقال له: " فاقتص منه مثل الذي فعل به؛ فكلمه معاوية؛ فأبى أشد الإباء؛ فقال منه! " قال: " لا! ضربني، وأنا سلطان، وللسلطان أن يأخذ حقه ويؤدب، لو فعل هذا لغيري، لاقتصصت لمن فعل ذلك له،