اسم الکتاب : وفيات الأعيان المؤلف : ابن خلكان الجزء : 1 صفحة : 354
والتحذير لي، ثم أحضرني المتوكل وأمر شفيعا أن يولع بي، فتغاضب المتوكل علي، فقلت: يا أمير المؤمنين إن كنت تضربني كما ضربني آباؤك فاعلم أن آخر ضرب ضربته كان بسببك، فضحك وقال: بل أصونك وأكرمك.
وقال المتوكل يوما لمن حضره: ما أرى أحسن من وصيف الصغير، يعني خادمه، فجعل كل يصفه غير بغا الكبير فال: يا بغا ما سكوتك اما تحب وصيفا قال: لا، قال: ولم قال: لأني أحب من يحبك ولا أحب من يحبه.
ودخل أبو العيناء على المتوكل فقال له: بلغني عنك بذاء، قال: إن يكن البذاء صفة المحسن بإحسانه والميء بإساءته فقد مدح الله وذم قال نعم العبد إنه أواب وقال عز وجل هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم فذمه حتى قذفه، وأما أن أكون كالعقرب التي تسلع النبي والذمي [1] بطبع لا يميز فقد أعاذ الله عبدك من ذلك، وقد قال الشاعر:
إذا أنا بالمعروف لم أثن صادقاً ... ولم أشتم الجبس اللئيم المذمما
ففيم عرفت الشر والخير باسمه ... وشق لي الله المسامع والفما ولما أسلم نجاح بن سلمة إلى موسى بن عبد الملك [2] الأصبهاني ليؤدي ما عليه من الأموال عاقبه فتلف في مطالبته، فحضر يوماً عند المتوكل فقال له: ما عندك من خبر نجاح بن سلمة قال: ما قال الله فوكزه موسى فقضي عليه، فاتصل ذلك بموسى فلقي الوزير عبيد الله بن يحيى بن خاقان فقال: أيها الوزير أردت قتلي فلم تجد لذلك سبيلاً إلا بإدخال أبي العيناء إلى أمير المؤمنين وعداوته لي، فعاتب عبيد الله أبا العيناء في ذلك فقال: والله ما استعذبت الوقيعة فيه حتى ذممت سيرته لك، فأمسك عنه. ثم دخل بعد ذلك أبو العيناء على المتوكل فقال: كيف كنت بعدي فقال: في أحوال مختلفة خيرها رؤيتك وشرها غيبتك، فقال: قد والله استقتك، قال إنما يشتاق العبد لأنه يتعذر عليه لقاء مولاه وأما السيد فمتى أراد عبيده دعاه، فقال له المتوكل: من أسخى من رأيت قال: [1] في الأصل البني والمدمى؛ وانظر في التصحيح ثمار القلوب: 430. [2] في الأصل: عبد الله؛ وانظر هذه الحادثة في تاريخ ابن الأثير 7: 88.
اسم الکتاب : وفيات الأعيان المؤلف : ابن خلكان الجزء : 1 صفحة : 354