اسم الکتاب : من مشاهير المجددين في الإسلام المؤلف : الفوزان، صالح بن فوزان الجزء : 1 صفحة : 17
[الشبه التي أثيرت حول دعوة الشيخ] الشبه التي أثيرت حول دعوة الشيخ تعرضت دعوة الشيخ كغيرها من دعوات المصلحين للنقد من قبل خصومها وأثيرت حولها شبهات ربما تروج على من لم يعرف حقيقتها، وقد أثير كثير من هذه الشبهات في حياة الشيخ ورد عليها بنفسه، وأثير البعض الآخر أو بالأصح أعيدت إثارة نفس تلك الشبه بعد وفاته فرد عليها تلامذته وغيرهم من محققي علماء المسلمين الذين لا يروج عليهم البهرج والكذب ولا تأخذهم في الله لومة لائم ومن هذه الشبه:
1 - أنه يبطل كتب المذاهب الأربعة وأن الناس من ستمائة سنة ليسوا على شيء.
2 - أنه يدعي الاجتهاد وأنه خارج عن التقليد وأنه يقول اختلاف العلماء نقمة.
3 - أنه يحرم زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم وزيارة قبر الوالدين وغيرهما.
4 - أنه يكفر من حلف بغير الله. وقد أجاب الشيخ عن هذه بقوله: جوابي عن هذه المسائل أني أقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، وقبله من بهت النبي صلى الله عليه وسلم أنه يسب عيسى ابن مريم ويسب الصالحين فتشابهت قلوبهم بافتراء الكذب وقول الزور قال تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [النحل: 105] الآية بهتوه صلى الله عليه وسلم بأنه يقول إن الملائكة وعيسى وعزيرًا في النار فأنزل الله في ذلك: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} [الأنبياء: 101] انتهى، انظر الدرر السنية ([1] / 30 -31) .
5 - قالوا إنه ينهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يقول لو أن لي أمرًا هدمت قبة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه يتكلم في الصالحين وينهى عن محبتهم. . . . وقد أجاب الشيخ عن ذلك بقوله: هذا كذب وبهتان افتراه عليَّ الشياطين الذين يريدون أن يأكلوا أموال الناس بالباطل، انظر الدرر ([1] / 52) .
6 - قالوا: إنه يكفر جميع الناس إلا من اتبعه وأن أنكحتهم غير صحيحة. . . . وقد أجاب الشيخ عن ذلك بقوله: يا عجبًا كيف يدخل هذا في عقل عاقل وهل يقول هذا مسلم، إني أبرأ إلى الله من هذا القول الذي ما يصدر إلا من مختل العقل فاقد الإدراك، فقاتل الله أهل الأغراض الباطلة، انظر الدرر ([1] / 55) .
7 - قالوا إنه يكفر بالعموم ويوجب الهجرة إليه على من قدر على إظهار دينه. . . . وقد أجاب الشيخ على ذلك بقوله: كل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله، وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على عبد القادر والصنم الذي على قبر أحمد البدوي وأمثالها لأجل جهلهم وعدم من ينبههم فكيف نكفر من لم يشرك بالله ولم يهاجر إلينا أو لم يكفر ويقاتل [1] سبحانك هذا بهتان عظيم. انظر الدرر ([1] / 66) .
8 - قالوا إنه ينكر الشفاعة، فرد الشيخ على ذلك بقوله: ثم بعد هذا يذكر لنا أن عدوان الإسلام الذين ينفرون الناس عنه يزعمون أننا ننكر شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم، فنقول: سبحانك هذا بهتان عظيم، بل نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم الشافع المشفع صاحب المقام المحمود نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يشفعه فينا، وأن يحشرنا تحت لوائه، هذا اعتقادنا وهذا الذي مشى عليه السلف الصالح من المهاجرين والأنصار والتابعين وتابع التابعين والائمة الأربعة أجمعين وهم أحب الناس لنبيهم وأعظمهم في اتباعه وشرعه، فإن كانوا يأتون عند قبره يطلبونه الشفاعة فإن اجتماعهم حجة، والقائل إنه يطلب الشفاعة بعد موته يورد علينا الدليل من كتاب الله أو من سنة رسول الله أو من إجماع الأمة والحق أحق أن يتبع، انتهى من الدرر السنية ([1] / 46) .
9 - وأما اتهام الشيخ أنه يكفر بالعموم ويقاتل المسلمين، فقد أجاب عنه الشيخ بقوله: وأما التكفير فأنا أكفر من عرف دين الرسول ثم بعد ما عرفه سبه ونهى عنه وعادى من فعله فهذا هو الذي أكفر، وأكثر الأمة ولله الحمد ليسوا كذلك، وأما القتال فلم نقاتل أحدًا إلى اليوم إلا دون النفس والحرمة وهم الذين أتونا في ديارنا ولا أبقوا ممكنا، ولكن قد نقاتل بعضهم على سبيل المقابلة: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا} [الشورى: 40] وكذلك من جاهر بسب دين الرسول بعد ما عرف فإنا نبين لكم أن هذا هو الحق الذي لا ريب فيه وأن الواجب إشاعته في الناس وتعليمه الرجال والنساء، انتهى من الدرر السنية ([1] / 51) .
وقال أيضًا لما بين بطلان الذي يفعله القبوريون: فهذا الذي أوجب الاختلاف بيننا وبين الناس حتى آل بهم الأمر إلى أن كفرونا وقاتلونا واستحلوا دماءنا وأموالنا حتى نصرنا الله عليهم وظفرنا بهم، وهو الذي ندعو الناس إلهي ونقاتلهم عليه بعد ما نقيم عليهم الحجة من كتاب الله وسنة رسوله وإجماع السلف الصالح من الأئمة ممتثلين لقوله سبحانه وتعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} [الأنفال: 39] فمن لم يجب الدعوة بالحجة والبيان قاتلناه بالسيف والسنان، كما قال تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحديد: 25] انتهى من الدرر السنية ([1] / 58) .
وقال ابنه الشيخ عبد الله بن محمد مجملا هذه الشبه مع الرد عليها: وأما ما يكذب علينا سترًا للحق وتلبيسًا على الخلق بأنا نفسر القرآن برأينا ونأخذ من الحديث ما وافق فهمنا من دون مراجعة شرح ولا معول على شيخ وأنا نضع من رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بقولنا: النبي رمة في قبره وعصا أحدنا أنفع له منه وليس له شفاعة، وأن زيارته غير مندوبة وأنه كان لا يعرف معنى لا إله إلا الله حتى أنزل الله عليه: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: 19] مع كون الآية مدنية وأنا لا نعتمد على أقوال العلماء ونتلف مؤلفات أهل المذاهب لكون فيها الحق والباطل، وأنا مجسمة، ومن فروع ذلك أننا لا نقبل بيعة أحد إلا بعد التقرير عليه بأنه كان مشركًا وأن أبويه ماتا على الإشراك بالله وأنا ننهى عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، ونحرم زيارة القبور المشروعة مطلقًا، وأن من دان بما نحن عليه سقطت عنه جميع التبعات حتى الديون، وأنا لا نرى حقًا لأهل البيت وأنا نجبرهم على تزويج غير الكفء لهم، وأنا نجبر بعض الشيوخ على فراق زوجته الشابة لتنكح شابًا إذا ترافعوا إلينا، فلا وجه لذلك فجميع هذه الخرافات وأشباهها لما استَفْهَمنَا عنها من ذكر أولا (يعني علماء مكة) كان جوابنا في كل مسألة من ذلك: سبحانك هذا بهتان عظيم، فمن روى عنا شيئا من ذلك أو نسبه إلينا فقد كذب علينا ومن شاهد حالنا وحضر مجلسنا وتحقق ما عندنا علم قطعًا أن جميع ذلك وضعه وافتراه علينا أعداء الدين وإخوان الشياطين تنفيرًا للناس عن الإذعان بإخلاص التوحيد لله تعالى بالعبادة وترك أنواع الشرك الذي نص الله عليه بأن الله لا يغفره: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 116] فإنا نعتقد أن من فعل أنواعا من الكبائر كقتل المسلم بغير حق والزنا وشرب الخمر وتكرر منه ذلك أنه لا يخرج بفعله ذلك عن دائرة الإسلام ولا يخلد به في دار الانتقام إذا مات موحدا بجميع أنواع العبادة، والذي نعتقده أن رتبة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أعلى مراتب المخلوقين على الإطلاق وأنه حي في قبره حياة برزخية أبلغ من حياة الشهداء المنصوص عليها في التنزيل، إذ هو أفضل منهم بلا ريب، وأنه يسمع سلام المسلم عليه وتسن زيارته إلا أنه لا يشد الرحل إلا لزيارة المسجد والصلاة فيه وإذا قصد مع ذلك الزيارة فلا بأس، ومن أنفق نفيس أوقاته بالاشتغال بالصلاة عليه الصلاة والسلام الواردة عنه فقد فاز بسعادة الدارين وكفى همه وغمه كما جاء في الحديث عنه، ولا ننكر كرامات الأولياء ونعترف لهم بالحق وأنهم على هدى من ربهم مهما ساروا على الطريقة الشرعية والقوانين المرعية، إلا أنهم لا يستحقون شيئا من أنواع العبادات لا حال الحياة ولا بعد الممات، بل يطلب من أحدهم الدعاء في حال حياته بل ومن كل مسلم فقد جاء في الحديث: (دعاء المسلم مستجاب لأخيه) الحديث، وأمر صلى الله عليه وسلم عمر وعليا بسؤال الاستغفار من اويس ففعلا.
ونثبت الشفاعة لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم يوم القيامة حسب ما ورد، وكذلك نثبتها لسائر الأنبياء والملائكة والأولياء والأطفال حسب ما ورد أيضا، ونسألها من المالك لها والآذن فيها لمن يشاء من الموحدين الذين هم أسعد الناس بها كما ورد بأن يقول أحدنا متضرعا: (اللهم شفع نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم فينا يوم القيامة،،، اللهم شفع فينا عبادك الصالحين أو ملائكتك أو نحو ذلك مما يطلب من الله لا منهم، فلا يقال يا رسول الله أو يا ولي الله أسألك الشفاعة أو غيرها كأدركني أو أغثني أو اشفني أو انصرني على عدوي ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله تعالى، فإذا طلب ذلك مما ذكر في أيام البرزخ كان من أقسام الشرك، إذ لم يرد بذلك نص من كتاب أو سنة ولا أثر من السلف الصالح في ذلك، بل ورد الكتاب والسنة وإجماع السلف أن ذلك شرك أكبر قاتل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم. انتهى من الدرر السنية ([1] / 127 -129) .
هذا وقد انبرى كثير من العلماء بعد وفاة الشيخ رحمه الله للإجابة عن هذه الشبهات وألفوا في ذلك مؤلفات ضخمة من أشهرها:
1 - (مصباح الظلام في الرد على من كذب على الشيخ الإمام ونسب إليه تكفير أهل الإسلام) في مجلد وهو للشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن من آل الشيخ رحمهم الله.
2 - (معارج القبول) ، للشيخ الحسين بن مهدي النعمي من علماء اليمن في مجلد.
3 - (غاية الأماني في الرد على النبهاني) للشيخ محمود شكري الألوسي من علماء العراق وهو في مجلدين.
4 - (صيانة الإنسان عن وسوسة الشيخ دحلان) للشيخ محمد بشير السهسواني الهندي في مجلد، وغير ذلك من الكتب التي ألفت في الذب على دعوة الشيخ حتى من غير المسلمين.
وهكذا يقيض الله سبحانه للحق أنصارا في كل زمان تقوم بهم حجة الله على خلقه، فلله الحمد والمنة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. [1] يعني لم يكفر المسلمين ويقاتلهم.
اسم الکتاب : من مشاهير المجددين في الإسلام المؤلف : الفوزان، صالح بن فوزان الجزء : 1 صفحة : 17