نعم، كيف أستطيع الحديث عنه وأنا لم أجد في موته أبلغ من الصمت الحزين عليه؟ إنها مهمة صعبة وقاسية تلك التي أحاول أن أدفع بنفسي أو يحاول من أحب أن يدفع بي إليها.
وأنا وبياني العاجز وقلمي المتعثر مجموعة لا أظن أنها مستطيعة أن تبلغ شأوا ولو كان قصيرا في هذا الميدان ولكني أجدها مناسبة كريمة أن أفتتح هذه الرسالة التي جمعت مشاعر الوفاء والنبل مما شاء إخوة كرام أن يشاركونا به في مصابنا الجلل ولهم شكرنا ومن الله الأجر والمثوبة.
وأنا _ حينما أحاول أن أقدم هذه الرسالة _ أجد الجرح الذي أوجده فراقه الأليم _ على غوره لم يندمل وأحس الحزن على مصابنا فيه _ على عمقه _ لم يتوار ولكن لا نقول إلا كما قال الصابرون "أنا الله وأنا إليه راجعون" واعتقد أن من الصعوبة بمكان أن أتحدث عن شخصية والدي _ رحمه الله _ لأنها شخصية متعددة الجوانب ولكن لا أجد ضيرا إذا استعرضت ما يحضرني من صفاته وأقواله إن كنت لست بمستطيع في هذه العجلة أن أكتب كما أريد.
كان _ يرحمه الله _ حريصا كل الحرص على تعاليم دينه، وعلى فضائل الأخلاق وكان صارما في الخير وقويا في التوجيه يتعهدنا بالنصائح الجامعة والمواعظ البالعة ويقول: "إياكم والدنيا والحرص عليها فقليلها يكفي المرء كساء وقوتا ولا تطلبوها بإضعاف دينكم" كان يغضب لو أقيمت الصلاة ثم وجد أحد أفراد حاشيته يؤدي بعض الفوائت ويقول "أن من يتهاون في ركعة قد يؤول به الحال إلي فقدان الاهتمام بأدائها جماعة في أول وقتها إذا حان وقت الأذان" كانت الصلاة شغله الشاغل حتى تؤديها غفر الله له ورضي عنه.
كان حريصا على اتباع السنة كل قول وفعل يكره أشد ما يكره التساهل في مندوب أو مستحب ويقول: احرصوا عليهما لأنهما سياج يحمي الواجب الذي يتحتم القيام به. يحب في الله ويبعض فيه لم يكن حبه ولا بغضه لدنيا أو