إن شاء الله تعالى، فلما وافت رقعته الوزير الأجل أبا بكر ركب إليه في جملته، وتلقاه في أعيانه وجلته، وأنزل في قصر مجاور لقصره، وجامله مجاملة لم تعهد في عصره، وأشركه معه في نهيه وأمره، وأطلعه على سره وجهره، لم ينفرد عنه بقصة، ولا اختص دونه من الملك بحصة، إلى أن فرق بينهما مفرق الجموع، ومجثث الأصول والفروع، ولما عاين من بره ما أعظمه، وبهره ما نسقه منه ونظمه، كتب إليه، من ذا يضاهيك، وإلى النجم مراقيك، فشاوك لا يدرك، وشعبك لا يسلك، اقسم لأعقدن على علاك من الثناء إكليلا، يذر اللحظ من سناه كليلا، ولأطوفنه شرق البلاد وغربها، ولا حملنه عجم الرجال وعربها، وكيف لا وقد نصرتني نصرا مؤزرا، وصرفت عني الضيم عفيرا معفرا، وألبستني البأو بردا مسنما، وأوليتني البر متمما، ولم تزل الشعراء تسليه عن نكبته، وتمنيه بالعودة إلى رتبته، بأفصح مقال: وأملح انتقال: فمن ذلك قول الوزير أبي جعفر البني، طويل
أترضى عن الدنيا فقد تتشوق ... لعمر المعالي أنها بك تكلف
يقولون ليث الغاب فارق غيله ... فقلت لهم انتم له الآن أخوف
ولن ترهبوا الصمام إلا إذا غدا ... لكم خارجاً من غمده وهو مرهف
ستفرغ يمناه لتكتب أسطرا ... يرى الموت في أثناءه كيف يدلف
إذا غضبت أقلامه قالت القنا ... فديناك أنا بالمقاتل أعرف
ستكتشف عن سر الكتيبة مثل ما ... رأيناك عن سر البلاغة تكشف
ويعتز لي هذا الزمان بجولة ... على من به دون الورى كان يشرف
رويدا قليلاً يا زمان فإنه ... يغيظك منه بالذي أنت تعرف
ولما كان ابن عبد العزيز الذي سهل طريق نجاته، ودس له الكنث أثناء مراسلته ومناجاته، اعتقدها ابن عمار غدرة جرت على يديه، وخديعة نسب عارها إليه، ولم يزل يعمل في الإضرار به فكره، ويقبح وصفه وذكره، ويغري به نفوس رعيته، ويريش ويبري في بليته، فمن ذلك قول يحرض أهل بلنسية على القيام عليه، كامل
بشّر بلنسية وكانت جنة ... أن قد تدلت في سواء النارِ
جاروا بني عبد العزيز فإنهم ... جرّوا إليكم أسوأ الأقدارِ