قومه، وقد راقهم يومه، وصلاته تصافي معتفيهم، ومبراته تشافه موافيهم، والراح تشعشع، وماء الأماني ينشع، فكتب إلى ابن عمار وهو ضيفه: طويل
ضمان على الأيّام أن أبلغ المنى ... إذا كنت في ودّي مسّرا ومعلناً
فلو تسئلِ الأيام من هو مفردٌ ... بودّ ابن عمّارٍ لقلتُ لها أنا
فإن حالتِ الأيّام بيني وبينهُ ... فكيف يطيب العيش أو يحسن الغنا
فلما وصلت الرقعة إليه تأخر عن الوصول، واعتذر بعذر مختل المعاني والفصول، فقال أحد الحاضرين أني لا عجب من ابن عمار، وكيف قعد عن هذا المضمار، مع ميله إلى السماع، وكلفه بمثل هذا الاجتماع، فقال ذو الرياستين أن الجواب تعذر، فلذلك اعتذر، لأنه يعاني قوله ويعلله، ويرويه ولا يرتجله، ويقوله في المدة، الممتدة، فرأى أن الوصول بلا جواب إخجال لأدبه، وإخلال بمنازله في الشعر ورتبه، فلما كان من الغد ورد ابن عمار ومعه الجواب وهو: طويل
هصرتَ ليّ الآمال طيّبة الجنى ... وسوّغتني الأحوال مقبلة الدنا
والبستني النُّعمى أغصّ من الندى ... وأجمل من وشي الربيع وأحسنا
وكم ليلة أحظيتني بحضورها ... فبتّ سميراً للسناء وللسنا
أعلل نفسي بالمكارم والعلى ... وأذني وكفيّ بالغناء وبالغنا
ساقرن بالتمويل ذكرك كلّما ... تعاورتِ الأسماء غيرك والكنى
زلا وسعتني قولا وطولا كلاهما ... يطوّق أعناقاً ويخرس السنا
وشرّفتني من قطعة الروض بالتي ... تناثر فيها الطبعُ وردوا وسوسنا
تروق بجيد الملك عقداً مرصّعاً ... وتزها على عطفيه وشياً معيّنا
فدم هكذا يا فارس الدست والوغى ... لتطعن بالأقلام فيها وبالقنا
وأخبرني الوزير الكاتب أبو جعفر ابن سعدون أنه أصبح يوماً بحضرته وللرذاذ رش، وللربيع على وجه الأرض فرش، وقد صقل الغمام الأزهار حتى اذهب نمشها، وسقاها فأروى عطشها، فكتب إليه: طويل
فديناك لا يسطيعك النظم والنثر ... فأنت مليك الأرض وانفصل الأمرُ
مرينا نداك الغمر فانهلَّ صيّباً ... كما سكبت وطفاءُ أو فتق الزهرُ
وجاءَ الربيع الطلق يندي غضارة ... فحيَّتك منه الشمس والروض والنهرُ