يشكو إليك الذي تطويه أضلعه ... بالحضرميّة من همّ وتسهيدِ
فانسخ ليّ السود من أيام وحشتها ... بالبيض قبل اختلاط البيض بالسودِ
فقال ابن ايمن أراد الشباب والمشيب وقال هو والله ما أراد إلا الروم والزنج وكان باختلاطهم، وانتشارهم فينا وانبساطهم، ووالله لا جمعن بينهما قبل أن ينجر باسهم إلينا فيعود الشباب مشيباً، وترى الولدان شيباً وترحل كل سلوة، وتنحل كل حبوة، وتكثر الأجاحات، وتصبح الأعراس وهي مناحات، وعاقت الفتنة عن ذلك وشغلت، وتوقدت عواديها واشتعلت، فلم يتكيف أعراسه، ولا جرت في ميدان المنى أفراسه.
ولما عفر المتوكل وصرع، وجرع من الردى ما جرع، ارتدت آمال أبي بكر على أعقابها، وانسابت إليه حيات الملمات من أنقابها، وانتهت أمواله، وهتكت أحواله، وغدت منازله وهي نزائل، وتراءى له ظل عزة وهو زائل، واستنسر له البغاث، وعدم المستصرخ والمستغاث، فقال يرثي المتوكل والفضل: طويل
تهاوت بيَ الدنيا وهرّت كلابها ... بأسدي وجرّت بيض أفياليَ النملُ
فقلت لها عيثي جعار وجرّري ... فلا عمر منّي قريب ولا الفضلُ
ثم أعرس بها بعد والحال قد جف معينها، وخف قطينها، وورد ثمادها، وفقد عمادها، فأقام معها بين أحوال مكربة، وأمال مضطربة، إلى أن حان حينها، وبان رحيل المنايا وبينها، وفيها يقول عندما عاقها عنه الحمان وعداها، وثناها عنه كما ثنى عن الروضة نداها: متقارب
ادمعاً جموحاً وصبراً حزوناً ... لقد جمع الحزن فيك الفنونا
أيا ماشياً فوقها لاهياً ... تميس اختيالاً وتنتقدّ ليناً
ترفّع برجلك عنها رويداً ... ستجعل خدّك فيها المصونا
فلا تبكينَّ لشرخ أملس ... قناتك ميماً وياء وسيناً
وخطّ على ورد كافورتيك ... بمسك عذاريك لاماً ونوناً
وممّا يثبّت قولي لديك ... ورّبتما جرّشان شؤنا
مصاب حكى في ابنة الحضرميّ ... مصاب صبيرة أدمى الجفونا
ولفّ الشباب بأوراقه ... وأودعه الترب غضّاً مصونا
فأنسي بها نضرة واقتبالاً ... وعيشاً نصيراً وأنساً طروناً
وأخبرني الوزير أبو محمد بن عبدون أن الجدب توالى بحضرته حتى جفت