بإشعار شفى بها المعتمد نفسه، واستوفى سلوه وأنسه، وشكر له ما ناله من مسلانه، وحمد عقد موالاته، وصار له بذلك حق مشهور، وفخر لا تبليه الدهور، وقد أوردنا من ذلك في أخبار المعتمد أعدل شاهد، ووصفنا تلك المحاضر والمشاهد، ومن بديع قوله يتغزل: [وافر]
تولي السرب خيفة من يليه ... وأفلت من حبائل قانصيه
على شرف الخميلة كان حتى ... توجس نبأة من خاتليه
فمرّ على مهب الريح يعدو ... بأسرع من مدامع عاشقيه
تعلّق آخر البطحاء هضبا ... تأمل منه خيبة عامليه
وصادف عنك مرمى مريعا ... فأصبح يشرئب ويرتعيه
توجه حيث لم تقفى خطاه ... بمنسوب إلى عال الوجيه
بمياع الأديم يكاد يغشي ... بنقبته لواحظ مبصريه
ودخل ميورقة في عهد ناصرها، وسلامة مقاصرها، وهي باهرة الجمال، عاطرة الصبا والشمال، تقيد الناظر ببهجتها، وتتيه بندى ملكها على لجتها، فتلقاه ناصر الدولة بمعهود إجماله، وصدق له ظنون عامله، فقال يمدحه: [كامل]
حنيت جوانحه على جمر الغضا ... لما رأى برقا أضاء بذي الاضا
واشتم في ريح الصبا أرج الصبا ... فقضى حقوق الشوق فيه بان قضى
والتف في عبراته فحسبتها ... من فوق عطفيه رداء فضفضا
قالوا الخيال حياته لو زاره ... قلت الحقيقة فلتم لو غمضا
بهوى العقيق وساكنيه وإن يكن ... خبر العقيق وساكنيه قد انقضى
ويود عودته إلى ما اعتاده ... ولقلما عاد الشباب وقد مضى
ألف السرى فكان نجماً ثاقبا ... صدع الدجا منه وبرقا مومضا
طلب الغنى من ليله ونهاره ... فله على القمرين مال يُقتضى
مهما بدت شمس يكون مذهب ... وإذا بدا بدر يكون مفضضا
هذا أفاد وفاد غير مقصر ... جهد المقل بأن يموت مفوضا
ولرب ربه خانه نبهتها ... والجو لؤلؤ طله قد رضوضا
وقد انطفت نار القرى وبقي على ... مسك الدجا مذرور كافور الغضا
واليل قد سدى والحم ثوبه ... والفجر يرسل فيه خيطا أبيضا