عليه محجورا، وكان من أجلهم ممقوتا مهجورا، فإنه اشتهر في حبهم أشد اشتهار، واستظهر على كلفه بهم بالشظف والاقتتار، فعلق بأشبيلية علاقة لم تدع له مجالاً، ولم يبق له روية ولا ارتجالا، فبينا هو يستدني منه عطفة المساعد ويجتني زهرات المنى بساحات المواعد، سنحت له رحلة ما أمهلته، ولا راعة منها إلا كل روعة أذهلته، فقال: وما عطل من حلي الإبداع ذلك المقال: [كامل]
إن سرت عنك ففي يديك قيادي ... وإن بنت عنك فما يبين فؤادي
صيّرت فكري في بعادك مونسي ... وجعلت لحظي من بعادك زادي
وعلي إن أدري دموعي إن أنا ... أبصرت شبهك في سبيل بعادي
كم في طريقي من قضيب يانع ... أبكي عليه ومن صباح بادِ
تلقاك في طي النسيم تحيتي ... ويصوب في ديم الغمام ودادي
وله في غلام وسيم كان يشار به، فنام وتقلد سمطاً من در العرق شاربه، [بسيط]
وشادن قد كساه الروض حلته ... يستوقف العين بين الغصن والكثبِ
مموه الحسن لم يعدم مقبله ... في خده رونقا من ذلك الشنبِ
تدعو إلى حبه لمياء كللها ... زبرجد النبت يجلو لؤلؤ الجمبِ
وعلق بأشبيلية أحد فتيانها وأنجد عيانها، وكان أجمل من جال في خلد، واستظال على جلد، وهام به هيام الأخوص بدعد، والرعي بهند بني سعد، وكان الفتى ينافر وصله، ويطرد في مباعدته أصله، إلى أن أطل شعر عرضه، وذل لمعارضه، فعاد إلى مساعدته، واستعاد بدنوه من مباعدته، فقال: [بسيط]
يا نوم عاود جفونا طالما سهرت ... فإن باعث وجدي رق لي ورثا
عانقته وهلال الأفق مطلع ... فعاد من حسدي حيران مكترثا
وكان للحسن سر فيه مكتتم ... وشى به ناظري من طول ما بحثا
لام يدل على بلبال مبصره ... مازال يبعث وجدي كلما انبعثا
من آل مدحج في شخص كلفت به ... لم ينقض العهد من ودي ولا نكثا
وله يتغزل: [كامل]
أهوى سكيران اللواحظ ما رنا ... إلا وأسكر كل قلب صاحِ
أمل من الآمال أحور أهيف ... خلعت عليه لطافة الأرواحِ
متجند جعل الفؤاد وطيه ... ولحاظه بدلاً من الأرماحِ