أوطانه، وأجهاش قصره إلى قطانه، وإظلام جوه من أقماره، وخلوة من حراسة وسمارة، فقال: بسيط
بكى المبارك في أثر ابن عبّادِ ... بكى على أثر غزلان وأسادِ
بكت ثريّاه لا غمّت كواكبها ... بمثل نوء الثريّا الرائح الغادي
بكى الوحيد بكى الزاهي وقبّتة ... والنهر والتاج كلٌّ ذلُّة بادِ
ماء السماء على أبنائه درر ... يا لجّة دومي ذات أزبادِ
وفي ذلك يقول ابن اللبانة: بسيط
استودع الله أرضاه عندما وضحت ... بشائر الصبح فيها بدّلت حلكاً
كانَ المؤيّد بستاناً بساحتها ... يجني النعيم وفي عليائها فلكاً
في أمره لملوك الدهر معتبر ... فليس يغترّ ذو ملك بما ملكا
نبكيه من جبل خرّت قواعده ... فكلّ من كان في بطحائه هلكا
ما سدّ موضعه للرزق سدّ به ... طوبى لمن كان يدري أيّةً سلكا
وكان الحصن الزاهر من أجمل المواضع لديه وأبهاها، وأحبها إليه وأشهاها، لإطلاله على النهر، وإشرافه على القصر، وجماله في العيون، واشتماله بالشجر والزيتون، وكان له به من الطرب، والعيش المزري بحلاوة الضرب، ما لم يكن بحلب لبني حمدان، ولا لسيف بن ذي يزن في رأس غمدان، وكان كثيراً ما يدير به راحه، ويجعل فيه انشراحه، فلما استد إليه الزمان بعدوانه، ووسد عليه أبواب سلوانه، لم يحن إلا إليه، ولم يتمن إلا الحلول لديه، فقال: طويل
غريب بأرض المغربين أسيرُ ... سيبكي عليه منبر وسريرُ
وتندبه البيض الصوارم والقنا ... وينهلّ دمع بينهنّ غزيرُ
مضى زمنٌ والملك مستانسٌ به ... وأصبح منه اليوم وهو نفورُ
برأيٍ من الدهر المضلّل فاسدٍ ... متى صلحت للصالحين دهورُ
أذلَّ بني ماءِ السماءِ زمانهم ... وذلُّ بني ماءِ السماءِ كبيرُ
فيا ليت شعري هل أبيتنّ ليلةٌ ... أمامي وخلفي روضةٌ وغديرُ
بمنبتة الزيتون مورثة للعلا ... يغنّي حمامٌ أو تدنّ طيورُ
بزاهرها السامي الذرى جاده الحيا ... تشير الثّريّا نحونا ونشيرُ
ويلحظنا الزاهي وسعد سعوده ... غيورين والصبّ المحبّ غيورُ