إذا لك يكن في السمع منّى تصاون ... وفي بصري غضّ وفي مقوليُ صمت
فحظيّ إذا من صوميَ الجوع والضما ... وان قلت أني صمت يومي فما صمتُ
وله في المعنى الأول: طويل
جفون إنسانا كنت ألف وصلهم ... وما في الجفا عند الضرورة من باسِ
بلوت فلم أحمد وأصبحت آيسا ... ولا شيء أشفى للنفوس من اليأسِ
فلا تعذلوني في انقباضي فإنّني ... رأيت جميع الشرّ في خلطا الناسِ
وله يعاتب بعض أخوانه: وافر
وكنت أظنّ أن جبال رضوى ... تزول وأنّ ودك لا يزولُ
ولكنَّ الأمور لها اضطراب ... وأحوال ابن أدم تستحيلُ
فإن يك بيننا وصل جميل ... وإلاّ فليكن هجر طويلُ
وأما شعره الذي أقتدحه من مرخ الشباب وعفاره، وكلامه الذي وشحه بمأرب الغزل وأوطاره، فإنه نسي إلى ما تناسه، وترك حين كساه العلم والورع من ملابسه ما كساه، فمما وقع إلي من ذلك قوله: كامل
كيف السلوّ وكلّ حبيب هاجر ... قاسي الفؤاد يسومني تعذيبا
لمّا درى أنّ الخيال مواصلي ... جعل السهاد على الجفون رقيبا
وله: بسيط مجزوء
يا من عهودي لديه ترعى ... أنا على عهدك الوثيقِ
أن شئت أن تسمعي غرامي ... من مخبر عالم صدوقِ
فاستخبري قلبك المعنّى ... يخبركِ عن قلبيَ المشوقِ
انبه الوزير الفقيه الحافظ القاضي أبو محمد عبد الحق بن عطية وفقه الله
نبعة دوح العلاء، ومحرز ملابس الثناء، فذ الجلالة، وواحد العصر والإصالة، وقار كما رسى الهضب، وأدب كما أطرد السلسل العذب، وشيم تتضاءل لها قطع الرياض، ويبادر به الظن إلى شريف الأغراض، سابق الأمجاد فاستولى على الأمد بعلائه، ولم ينض ثوب شبابه، أدمن التعب في السودد جاهدا، حتى تناول الكواكب قاعدا، وما أثكل على أوائله، ولا سكن إلى راحات بكره وأصائله، أثاره في كل معرفة علم في رأسه نار، وطوالعه في أفاقها صبح أو نهار، وقد اثبت من نظمه المستبده ونثره المستبرع، ما ينفح عبيرا، ويتضح منبرا، ويسيح نميرا،