وأجرى لها الطير الميامين، ووصل بها التأييد والتمكين، والحمد لله على أمل بلغة، وجذل قد سوغه، وضمان حققه، ورجاء صدقه، وله المنة في ظلام كان اعزه الله صبحه، ومستبهم غدا شرحه، وعطل نحر كان حليه، وضلال دهر هديه.
فقد عمر الله الوزارة باسمه ورد إليها أهلها بعد أقصار
الفقيه الأجل قاضي الجماعة أبو عبد الله بن حمدين رحمه الله
حامي ذمار الدين، وعاضده وقاطع ضرر المعتدين، وخاضده ملك للعلوم زماماً، وجعل العكوف عليها لزاما، فحيى رسمها، وأعلى اسمها، وخاصمت الملحدين منه السن لد، وتهدلت به على العالمين أغضن ملد، وكف أيدي الظالمين فلم تكن لهم استطالة، وأرهف خواطر المجتهدين فلم تستح لهم بطاله، فأصبح أهل مصره بين دارس علم، ولابس حلم، وآيس ظلم، ناهيك من رجل كثير الرعي لأهل المعارف، مؤو من بره إلى ظل وارف، أعم الورى منة، وأعظم خلق الله منة، أقام واقعد، وأدنى وأبعد، وانحس وأسعد، فتقلصت به الظلال وفاءت وحسنت به الأيام وساءت وأعمل للضر والنفع لسانه ويده، وشغل بالرفع والوضع يومه وغده، وعمر بهما فكره وخلده، حتى هد الجبال الشوامخ، واجتث الأصول الرواسخ، ولما أدار ابن الحاج من خلاف سنة تسع وتسعين ما أدار، واتفق هو ومن واطاه على ما فسخته الأقدار، استشير في الخلع فما استساغه، وريع حيره فلم يكن فمن راعبه، وعرض على الحمام فما هابه، ووالي في نقض ما أبرم جيئانه وذهابه، وسمح في ذلك بنفسه، وقنع من غده بذكر أمسه، فلما انجلت ظلماؤه، وتحلت بنجوم ظفره سماؤه، أغرى بالمطالبين اهتضامه، وحيفه وأعلن لمن أسر أغراءه ولم ينظر بالمكروه نظراءه، فأخمل منهم أعلاما، وأورث نفس الدين منهم ألاما، وألبسهم ما شاء ذما من الناس وملاما، فدجت مطالع شموسهم وخلت مواضع تدريسهم، فأصبحوا ملتحفين بالمهانة، متشوفين إلى الإهانة، يروعهم الرواح والغدو، ويحسبون كل صيحة عليهم هو العدو، ويذعرهم طروق النوم للأجفان، وينكرهم الثابت العرفان، قد فقدوا حبورا، وعات منازلهم قبورا، إلى أن نفس مخنقهم بعد أحوال، وخلا أفقهم من تلك الأهوال، فتنشقوا ريح الحيوة، وأشرقوا من تلك الظلمات، بعد أن أحال البوس نعيمهم، واخذ الحمام زعيمهم، وكان رحمه الله متضح طريق الهدى، منفسح الميدان في العلم