ضدّان في موضع كيف التقاؤها ... النار مضرمة والماء منسكبُ
وخرجت باشبيلية مشيعا لأحد زعماء المرابطين فالقيه معه، مسايراً له في جملة من شيعه، فلما انصرفنا مال بنا إلى معرس أمير المسلمين أدام الله تأييده الذي ينزله عند حلوله أشبيلية وهو موضع مستبعد، كان الحسن فيه مودع، ما شئت من نهر ينساب انسياب الأراقم وروض كما وشت البرود راقم، وزهر يحسد المسك رياه، ويتمنى الصبح أن يسم بين محياه، فتطف غلام وسيم من غليانه نورة ومد يده إلي وهي في كفه، فعزم عليّ أن أقول بيتا في وصفه، فقلت: طويل
وبدر بدا والطرف مطلع حسنه ... وفي كفّه من رائق النور كوكب
فقال أبو محمد: طويل
يروح لتعذيب النفوس ويغتدى ... ويطلع في أفق الجمال ويغرب
ويجسد من الغصن أيّ مهفهف ... يجيء علي مثل الكثيب ويذهبُ
وكتبت إليه يوماً مودعا، فجاوبني جواباً مستبدعا، وأخبرني رسولي أنه لما قرأ الكتاب وضعه وسوى، وكتب وما فكر ولا روى، ياسيدي الأعلى جرت الأقدار بجمع أفتراقط، وكان الله جارك في انطلاقك، فيغرك من روع بالظعن، وأوقد للوداع جاحم الشجن، فانك من أبناء هذا الزمن، خليفة الخضر لا تستقر على وطن، كأنك والله يختار لك ما تأتيه وتدعه، موكل بفضاء الأرض تذرعه، فحسب من نوى بعشرتك الاستمتاع، أن يعتدك من العواري السريعة الاسترجاع، فلا يأسف على قلة الثرى، وينشد، وفارقت حتى ما أبالي من النوى.
الوزير الكاتب أبو القاسم بن السقاط
مستعذب المقاطع، كأنما صور من نور ساطع، أبهى من محيا الظبي المخجل، وأحلى من الأمن عند الخائق الوجل، يهب عطرا نشره، ولا يغب حينا بشره، تجتليه بساما، وتنتضيه حساما، أن وأخاك أبرم عقد أخائه، وأعفاك من زهوة وانتخائه، ماء صفائه وارف يكاد يقطر، وسماء أحتقائه وأكفه أبدا تمطر، وله أدب لو نشر لكان بردا محبرا، أو تنسم لهب مسكا وعنبرا، وأما الخطابة ففي يده صار عناتها، وعليه وقف عناتها وقد أثبت من نظمه ونثره، ما ينظمه الزمان عقدا في نحره، فمن ذلك قوله يصف أيام أيناسه، وما كيف له الشباب من أنواع الوصل وأجناسه. متقارب