ووافى بنا الحي نياما، وكنت احببت مصابحة مجده فعاجلني مباكرة الغمام، وفاجأني غيثه مبادرة بالانسجام، فلم يمكني أن ابلغ من ذلك أملا، ولا أن أرد به منهلا، ولا عتب إلا على الزمان فيما أذنب، ولو شاء لرضى وأعتب، واتخذته تحية مشتاق، ورائد تلاق، وبدي أن ينجلي الغمام منجابا، ويكتسي غدنا من الصحو جلبابا، فأنال فيه من هذا الحظ وفورا، وأمل به جذلا وحبورا، أن شاء الله تعالى، وكتب وقد أهدى إليه مشموم ورد، زارنا الورد بأنفاسك، وسقانا مدامة الأنس من كاسك، وأعاد لنا معاهد الأنس جديدة، وزق إلينا من فتيات البر خريدة، فأحمر حتى خلته شفقا، وأبيض حتى أبصرته من النور فلقا، وارج حتى كان المسك من ذكائه، وتضاعف حتى قلت من حيائه، فليتصور شكري في مرءاه،
وليتخيله في نفحته ورياه، أن شاء الله تعالى.
ذو الوزارتين القائد أبو الحسن بن اليسع رحمة الله تعالى
عامر أندية النشوة، وطلاع ثنايا الصبوة، كلف بالحميا كلف حارثة بن بدر، وهام بفتى سماط وفتاة خدر، فجعل للمجون موسما، واثبتها في جبين أوانه ميسما، وكان قبل أن ترقيه الرياسه أعوادها، وتحله فؤادها، لا يجد عمادا، ولا يرد إلا ثمادا، فلما أصح عاقد كتائب، وقائد جنائب، وصاحب الوية، ومنفذ بديهة في الأمور وروية، جرى إلى لذاته ملء العنان، وعدا بها مجنون الجنان، وترك الملك مهملا، ومشى في طرق الاستهتار خببا ورملا، فائتمر به الملأ من أهل مرسية أي ائتمار، وراوا قتله أو كد حجة واعتمار، فنصبوا له الحرب، وعصبوا به الطعن والضرب، حتى أعطى الدنية، ونزل لهم عن تلك الثنية، فقنعوا بارتفاع وباله، وامتنعوا من حربه وقتاله، وخلعوه عن تدمير وسقوه الرنق بعد النمير، وله شعر رقيق المعاني، أنيق المغاني، يشهد له بالشطارة، ويعيد كهولته إلى الغرارة، وقد أثبت منه فنوناً يكحل بها الاستحسان حفونا، فمن ذلك قوله يخاطب أبا بكر بن اللبانة وكانا على طريقين فلم يلقيا. طويل
تشرق عامالي وسعدي يغرّبُ ... وتطلع أوجالي وأنسي يغرب
سريت أبا بكر إليك وإنمّا ... أنا الكوكب الساري تخطاه كوكبُ
فبالله إلا ما منحت تحية ... تكريها السبع الدراري وتذهبُ
وبعد قعندي كلّ علق تصونه ... قلائق لا تبلى ولا تنقلبُ