حماية الأندلس حين فغر العدو عليها فما، وأسال دموع أهلها دما، وملأ نفوسهم رعباً، وأخذ كل سفينة غصباً، ففل الله به غربه، وحكم فيه طعنه وضربه، فما سعدت نجومه، ولا قعدت عن شياطينه رجومه، في يوم عروبة لم يكن فيه جمع إلا في المدى، ولم تركع فيه إلا رؤس العدا، ولم يطل فيه إلا ذابل وحسام، ولم يصل فيه إلا بطل مقدام، وهو يوم شفى الإسلام بعد ما أشفى، واقتص من أيام الروم واستوفى، وكان للمعتمد رحمه الله فيه ظهور، وغناء مشهور، جلا متكاثف عجاجه، وجلا الروم عن غيطانه وفجاجه، بعد ما لقي حرة، وسقي أمره، وكلم العدويك، وثلم عدده، وتخاذل فيه رؤساء الأندلس فلم يعمل لهم فيه سنان، ولم يكحل جفونهم من قتامة عنان، والمعتمد يلقي اسنتهم بلباته، وتنثني الذوابل ولا ينثني من عناته، وفي ذلك يقول ابن عبادة: وافر
وقالوا كفّه جرحت فقلنا ... أعاديه تواقعها الجراحُ
وما أثر الجراحة ما رأيتم ... فتوهنها المناصل والرماحُ
ولكن فاض سبيل الباس منها ... ففيها في مجاريه انسياحُ
وقد صحت وسمحت بالأماني ... وفاض الجود منها والسماحُ
رأى منه أبو يعقوبَ فيها ... عقاباً لا يهاض له جناحُ
فقال له لك القدح المعلّى ... إذا ضربت بمشهدك القداحُ
وفي ذلك يقول عبد الجليل ويشير إلى أمير المسلمين وحسن بلائه، وما أظهر المعتمد من إخلاصه وولائه، وأول القصيدة: وافر
أظنّ خطوبها قالت سلامُ ... فلم يعبس لها منك ابتسامُ
ومنها:
فثار إلى الطعان حليف صدق ... تثور به الحفيظة والذمامُ
ونما في حميرٍ ونمتك لخم ... وتلك وشائح فيها التحامُ
تهجن لسيله نهجاً فوافى ... وفي أذيّه الطامي عرامُ
فهيل به كثيب الكفر هيلاً ... وكلّ رقيقة منها ركامُ
وأصبح فوق ظهر الأرض أرضاً ... وكانّ وهادها منهم إكامُ
عديد لا يشارفه حسابٌ ... ولا يحوي جماعته زمامُ
تألّفتِ الوحوش عليه شتّى ... فما نقص الشراب ولا الطعامُ
فإن ينجو اللعين فلا كحرّ ... ولكن مثل ما تنجو الليامُ