responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عيون الأنباء في طبقات الأطباء المؤلف : ابن أبي أصيبعة    الجزء : 1  صفحة : 89
هَذَا الْعلم عِنْدهم الْمُحِيط أَعنِي علم اللِّسَان لحَاجَة جَمِيع النَّاس إِلَيْهِ لِأَنَّهُ الأداة والمراقي إِلَى كل حِكْمَة وفضيلة وَالْبَيَان الَّذِي يتَحَصَّل بِهِ كل علم
وَأَن قوما من الْحُكَمَاء أزروا بِعلم البلغاء واللغويين والنحويين وعنفوا المتشاغلين بِهِ مِنْهُم أبيقورس وفيثاغورس وَزَعَمُوا أَنه لَا يحْتَاج إِلَى علمهمْ فِي شَيْء من الْحِكْمَة لِأَن النَّحْوِيين معلمو الصّبيان وَالشعرَاء أَصْحَاب أباطيل وَكذب والبلغاء أَصْحَاب تمحل ومحاباة ومراء
فَلَمَّا بلغ أرسطوطاليس ذَلِك أَدْرَكته الحفيظة لَهُم فناضل عَن النَّحْوِيين والبلغاء وَالشعرَاء وَاحْتج مِنْهُم وَقَالَ أَنه لَا غنى للحكمة عَن علمهمْ لِأَن الْمنطق أَدَاة لعلمهم وَقَالَ أَن فضل الْإِنْسَان على الْبَهَائِم بالْمَنْطق
فأحقهم بالأنسية أبلغهم فِي مَنْطِقه وأوصلهم إِلَى عبارَة ذَات نَفسه وأوضعهم لمنطقة فِي مَوْضِعه وَأَحْسَنهمْ اخْتِيَارا لأوجزه وأعذبه
وَلِأَن الْحِكْمَة أشرف الْأَشْيَاء فَيَنْبَغِي أَن تكون الْعبارَة عَنْهَا بِأَحْكَم الْمنطق وأفصح اللهجة وأوجز اللَّفْظ الْأَبْعَد عَن الدخل والزلل وسماجة الْمنطق وقبح اللكنة والعي فَإِن ذَلِك يذهب بِنور الْحِكْمَة وَيقطع عَن الْأَدَاء وَيقصر عَن الْحَاجة ويلبس على المستمع وَيفْسد الْمعَانِي وَيُورث الشُّبْهَة
فَلَمَّا اسْتكْمل علم الشُّعَرَاء والنحويين والبلغاء واستوعبه قصد إِلَى الْعُلُوم الأخلاقية والسياسة والطبيعية والتعليمية والإلهية وَانْقطع إِلَى أفلاطن وَصَارَ تلميذا لَهُ ومتعلما مِنْهُ وَله يَوْمئِذٍ سبع عشرَة سنة
قَالَ المبشر بن فاتك وَكَانَ أفلاطن يجلس فيستدعي مِنْهُ الْكَلَام فَيَقُول حَتَّى يحضر النَّاس
فَإِذا جَاءَ أرسطوطاليس قَالَ تكلمُوا فقد حضر النَّاس
وَرُبمَا قَالَ حَتَّى يحضر الْعقل فَإِذا حضر أرسطوطاليس قَالَ تكلمُوا فقد حضر الْعقل
قَالَ وَلما توفّي أرسطوطاليس نقل أهل أسطاغيرا رمته بَعْدَمَا بليت وجمعوا عِظَامه وسيروها فِي إِنَاء من نُحَاس وَدَفَنُوهَا فِي الْموضع الْمَعْرُوف بالأرسطوط اليسي وصيروه مجمعا لَهُم يَجْتَمعُونَ فِيهِ للمشاورة فِي جلائل الْأُمُور وَمَا يحزنهم ويستريحون إِلَى قَبره ويسكنون إِلَى عِظَامه فَإِذا صَعب عَلَيْهِم شَيْء من فنون الْعلم وَالْحكمَة آبوا بذلك الْموضع وجلسوا إِلَيْهِ ثمَّ تنَاظرُوا فِيمَا بَينهم حَتَّى يستنبطوا مَا أشكل عَلَيْهِم وَيصِح لَهُم مَا شجر بَينهم
وَكَانُوا يرَوْنَ أَن مجيئهم إِلَى ذَلِك الْموضع الَّذِي فِيهِ عِظَام أرسطوطاليس يذكي عُقُولهمْ ويصحح فكرهم

اسم الکتاب : عيون الأنباء في طبقات الأطباء المؤلف : ابن أبي أصيبعة    الجزء : 1  صفحة : 89
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست