responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : عثمان بن عفان ذو النورين المؤلف : محمد رضا    الجزء : 1  صفحة : 114
- وفاة العباس بن عبد المطلب [1] (سنة 32 هـ/ 653 م) :
توفي في هذه السنة أيضاً العباس بن عبد المطلب كما ذكره الطبري [2] وهو عمِّ رسول -[115]- اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم وصنو أبيه. يكنى أبا الفضل بابنه الفضل، وأمه نتيلة بنت خباب، وهي أول عربية كست البيت الحرير والديباج وأصناف الكسوة. وسببه أن العباس ضاع وهو صغير فنذرت إن وجدته أن تكسو البيت فوجدته، ففعلت. وكان أسن من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بسنتين. وقيل: بثلاث سنين.
وكان العباس في الجاهلية رئيساً في قريش. وإليه كانت عمارة المسجد الحرام، والسقاية في الجاهلية. أما السقاية فمعروفة. وأما عمارة المسجد الحرام فإنه كان لا يدع أحداً يسب في المسجد الحرام، ولا يقول فيه هجراً لا يستطيعون لذلك امتناعاً. لأن ملأ قريش كانوا قد اجتمعوا وتعاقدوا على ذلك. فكانوا له أعواناً عليه.
وشهد مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بيعة العقبة لما بايعه الأنصار ليشدد له العقد، وكان حينئذٍ مشركاً. وكان ممن خرج مع المشركين يوم بدر مكرَهاً. وأسر يومئذٍ فيمن أسر. وكان قد شد وثاقه فسهر النبي صلى اللَّه عليه وسلم تلك الليلة ولم ينم، فقال له بعض أصحابه: ما يسهرك يا نبي اللَّه؟ فقال: "أسهر لأنين العباس". فقام رجل من القوم فأرخى وثاقه. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "ما لي لا أسمع أنين العباس؟ " فقال الرجل: أنا أرخيت من وثاقه. فقال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "فافعل ذلك بالأسرى كلهم" [3] . (وهذا هو العدل) وفدى يوم بدر نفسه، وابني أخويه: عقيل بن أبي طالب [4] ونوفل بن الحارث [5] -[116]-.
ثم هاجر إلى النبي صلى اللَّه عليه وسلم وشهد معه فتح مكة وانقطعت الهجرة وشهد حنيناً، وثبت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم لما انهزم الناس بحنين.
وكان رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يعظمه ويكرمه بعد إسلامه وكان وصولاً لأرحام قريش. محسناً إليهم. ذا رأي سديد، وعقل غزير.
قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "أيها الناس من آذى عمي فقد آذاني، فإنما عم الرجل صنو أبيه" [6] .
وعن العباس قال: أتيت رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقلت: علمني يا رسول اللَّه شيئاً أدعو به. فقال: "يا عباس، يا عم رسول اللَّه، سل اللَّه العافية في الدنيا والآخرة" [7] .
واستسقى عمر بن الخطاب بالعباس رضي اللَّه عنهما عام الرمادة لما اشتد القحط، فسقاهم اللَّه تعالى به، وأخصبت الأرض، فقال عمر: هذا واللَّه الوسيلة إلى اللَّه والمكان منه. لكن دائرة المعارف الإسلامية قالت [8] : إن هذه القصة خرافة وضعها العباسيون. وهذا تعنّت وتشكيك. لأن حسان بن ثابت [9] ذكر استسقاء عمر بالعباس في شعره. فلو كان ذلك خرافة لما ذكره حسان -[117]- بالمرة. ولا يخفى أن حسان قال ذلك الشعر زمن عمر بن الخطاب وإليك قوله:
سأل الإمام وقد تتابع جدبنا ... فسقى الغمام بغرة العباس
عم النبي وصنو والده الذي ... ورث النبي بذاك دون الناس
أحيا الإله به البلاد فأصبحت ... مخضرة الأجناب بعد الياس
وعن أنس بن مالك. أنهم كانوا إذا قحطوا على عهد عمر خرج بالعباس فاستسقى به وقال: "اللَّهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا عليه السلام إذا قحطنا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا عليه السلام فاسقنا".
وعن موسى بن عمر قال: أصاب الناس قحط، فخرج عمر ابن الخطاب فأخذ يستسقي بيد العباس، فاستقبل به القبلة. فقال: "هذا عم نبيك عليه السلام جئنا نتوسل به إليك فاسقنا، فما رجعوا حتى سقوا.
وعن عبد الرحمن بن حاطب، عن أبيه قال: رأيت عمر آخذاً بيد العباس فقام به فقال: اللَّهم إنا نستشفع بعم رسولك صلى اللَّه عليه وسلم إليك [10] .
فليست قصة الاستسقاء خرافة كما زعمت دائرة المعارف الإسلامية فقد رواها جمع من الصحابة.
ولما سقى الناس طفقوا يتمسحون بالعباس ويقولون هنيئاً لك ساقي الحرمين. وكان الصحابة يعرفون للعباس فضله، ويقدمونه، ويشاورونه، ويأخذون برأيه، وكان له من الولد عشرة ذكور سوى الإناث.
توفي العباس بالمدينة، وصلى عليه عثمان، ودفن بالبقيع، وهو ابن ثمان وثمانين سنة. وكان طويلاً، جميلاً، أبيض.

[1] هو العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، أبو الفضل، القرشي، المكي، من أكابر قريش في الجاهلية والإسلام، جد الخلفاء العباسيين، قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في وصفه: "أجود قريش كفاً وأوصلها، هذا بقية آبائي"، وهو عمه، كان محسناً لقومه، سديد الرأي، واسع العقل، مولعاً بإعتاق العبيد، كانت له سقاية الحج وعمارة المسجد الحرام أي لا يدع أحداً يسبُّ أحداً في المسجد ولا يقول فيه هجراً. أسلم قبل الهجرة وكتم إسلامه، أقام بمكة يكتب إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم أخبار المشركين، ثم هاجر إلى المدينة وشهد وقعة حنين فكان ممن ثبت حين انهزم الناس، شهد فتح مكة وعمي في آخر عمره، وكان إذا مرَّ بعمر في أيام خلافته ترجَّل عمر إجلالاً له، وكذلك عثمان عمَّر طويلاً، ولد سنة 51 ق. هـ وتوفي سنة 32 هـ. أحصي ولده في عام 200 هـ فبلغوا 33000. للاستزادة راجع: أسد الغابة ج 3/ص 164، تهذيب الكمال ج 2/ص 658، تهذيب التهذيب ج 5/ص 122، تقريب التهذيب ج 1/ص 397، خلاصة تهذيب الكمال ج 2/ص 35.
[2] الطبري، تاريخ الأمم والملوك ج 2/ص 629 وفيه: أنه مات وهو ابن ثمان وثمانين سنة، وكان أسنّ من رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بثلاث سنين".
[3] رواه ابن سعد في الطبقات الكبرى (4: 7) .
[4] هو عقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم، أبو زيد، أخو علي رضي اللَّه عنه وجعفر، المتوفى سنة 60 هـ. للاستزادة راجع: تهذيب الكمال ج 2/ص 947، تهذيب التهذيب ج 7/ص 254، تقريب التهذيب ج 2/ص 29، خلاصة تهذيب الكمال ج 2/ص 238، الكاشف ج 2/ص 275، تاريخ البخاري الكبير ج 7/ص 50، تاريخ البخاري الصغير ج 1/ص 145، الجرح والتعديل ج 6/ص 218، الثقات ج 3/ص 259، أسد الغابة ج 4/ص 64، الإصابة ج 4/ص 531، الاستيعاب ج 3 4، ترجمة ص 1078، طبقات ابن سعد ج 4/ص 10، وج 8/ص 15، سير أعلام النبلاء ج 1/ص 218، وج 3/ص 99، أسماء الصحابة الرواة ترجمة ص 273.
[5] هو نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الهاشمي، القرشي، صحابي كان من أغنياء قريش وأجوادهم وشجعانهم، أخرجه قومه يوم بدر لقتال المسلمين، وهو كاره، فأسر ثم أسلم، وكان أسنّ من أسلم من بني هاشم، ورجع إلى مكة، ثم هاجر إلى رسول اللَّه أيام الخندق، شهد فتح مكة وحضر حنيناً والطائف، ثبت مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم حنين، فكان عن يمينه تبرع في هذه الوقعة بثلاثة آلاف رمح، عاش إلى خلافة عمر بن الخطاب، توفي سنة 15 هـ. للاستزادة راجع: طبقات ابن سعد ج 4/ص 30، الإصابة ترجمة 8828، أسد الغابة ج 5/ص 46، ذيل المذيل ص 8.
[6] رواه مسلم في كتاب الزكاة، باب: 11، وأبو داود في كتاب الزكاة، باب: في تعجيل الزكاة، والترمذي في كتاب المناقب، باب: 28، وأحمد في (م 1/ص 94) .
[7] رواه المتقي الهندي في كنز العمال (3302) ، والكحال في الأحكام النبوية في الصناعة الطبية (1: 1128) ، والذهبي في الطب النبوي (7) .
[8] دائرة المعارف الإسلامية (م 1/ص 10، النسخة الإنكليزية) .
[9] هو حسان بن ثابت بن المنذر بن حرام بن عمرو، أبو عبد الرحمن، الأنصاري، الخزرجي، شاعر الرسول صلى اللَّه عليه وسلم، المتوفى سنة 54 هـ، وله من العمر 120 سنة، عاش 60 سنة من عمره في الجاهلية و 60 سنة في الإسلام، مخضرم، كانت له ناصية يسدلها بين عينيه، وكان يضرب بلسانه روثة أنفه من طوله، كان شديد الهجاء، فحل الشعراء، قال المبرد في الكامل في التاريخ والأدب: "أعرق قوم كانوا في الشعر آل حسان". للاستزادة راجع: تهذيب ابن عساكر ج 4/ص 360، معاهد التنصيص ج 1/ص 163، خزانة البغدادي ج 1/ص 363، ذيل المذيل ص 25، الأغاني ج 4/ص 25، شرح الشواهد 11، ابن سلام 211، الشعر والشعراء 110، حُسن الصحابة 13، نكت الهميان 125، تهذيب الكمال ج 1/ص 300، تهذيب التهذيب ج 2/ص 440، تقريب التهذيب ج 1/ص 180، خلاصة تهذيب الكمال ج 1/ص 281، الكاشف ج 1/ص 305، تاريخ البخاري الكبير ج 3/ص 107، الجرح والتعديل ج 3/ص 112، أسد الغابة ج 2/ص 103.
[10] ابن سعد، الطبقات الكبرى ج 4/ص 19، طبعة ليدن سنة 1322 هـ/1908 م.
اسم الکتاب : عثمان بن عفان ذو النورين المؤلف : محمد رضا    الجزء : 1  صفحة : 114
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست