ما كان له استطاعة الزاد والراحلة، ولكن لو أراد الحج لحملوه على الإحداق إلى مكة.
أما في الفصاحة والقدرة على المناظرة فكان يضرب به المثل، ولهذا شهد له الكثيرون بالتفوق، فقد قال أبو بكر الشاشي: الشيخ الشيرازي حجة الله على أئمة العصر. وقال الماوردي: ما رأيت كأبي إسحاق لو رآه الشافعي لتجمل به، وقال الموفق الحنفي: أبو إسحاق إما المؤمنين في الفقهاء؛ وهكذا كان في مجموع خصاله مثال العالم الذي يجمع بين العلم والعمل به، ولهذا كان مجمعاً عليه من أهل عصره علماً وديناً، رفيع الجاه بسبب ذلك، محبباً إلى غالب الخلق لا يقدر أحد أن يرميه بسوء لحسن سيرته وشهرتها عند الناس.
موقفه من المذهب الأشعري:
قد مر بنا قول أبي إسحاق للشريف أبي جعفر شيخ الحنابلة: " وهذه كتبي في أصول الفقه أقول فيها خلافاً للأشعرية ". قال ابن عساكر: " وكان يظن به بعض من لا يفهم أنه مخالف للأشعري لقوله في كتابه في أصول الفقه: " وقالت الأشعرية إن الأمر لا صيغة له ". فقوله: وقالت الأشعرية يشير إلى أنه لا يجعل نفسه واحداً منهم، ولو كان منهم لقال: وقال أصحابنا، أو تعبيراً بهذا المعنى؛ وقد شهد أنه أورد في كتابه في أصول الفقه مسائل خالف فيها الأشعرية وتلك هي خلاصة موقفه: أعني انه لم يلتزم بكل ما ورد عن الأشعرية، وقد نقل ابن عساكر رأيه في سؤال ورد عليه في قوم يلعنون فرقة الأشعري ويكفرون أتباعها، فكتب: " أن الأشعرية أعيان السنة ونصار الشريعة، انتصبوا للرد على المبتدعة من القدرية والرافضة وغيرهم، فمن طعن فيهم فقد طعن على أهل السنة، وإذا رفع أمر من يفعل ذلك من المسلمين وجب عليه تأديبه بما يرتدع به كل أحد؛ وكتب إبراهيم بن علي الفيروزابادي ".