الفاكهة والثياب وغيرهم، وخرج إليه الأساكفه وقد عملوا مداساتٍ لطافاً تصلح لأرجل الأطفال ونثروها فكانت تسقط على رؤوس الناس، فكان الشيخ يتعجب ويذكر ذلك لأصحابه بعد رجوعه ويقول: رأيتم النثار ما أحسنه؟ وإيش وصل إليكم يا أولادي منه؟ فقال له بعضهم: ما كان حظ سيدنا منه، فقال: أما أنا فغطيت بالمحفة.
ولما بلغ بساط قيل للشيخ قد أتى فلان الصوفي - ويعرف بالسهلكي - فنهض الشيخ من مكانه ليستقبله، وإذا به رجل كبير السن على دابة، وخلفه خلق من الصوفية بمرقعات جميلة، فقيل له قد أتاك الشيخ أبو إسحاق، فرمى نفسه عن الدابة وقبل يد الشيخ ورجله وقال له: قتلتني يا سيدي فما يمكنني أمشي معك، ولكن تتقدم إلى مجلسك؛ ولما وصل جلس أبو إسحاق بين يديه وأظهر كل واحد منهما من تعظيم صاحبه ما جاوز الحد.
ثم إن أبا إسحاق دخل نيسابور وتلقاه أهلها على العادة المألوفة، وحمل شيخ البلد إمام الحرمين أبو المعالي الجويني غاشية ومشى بين يديه كالخديم، وقال: أفتخر بهذا، وعقدا مجالس للمناظرة في بعض المسائل. وفي هذه الرحلة رأى أبو إسحاق ثمرة جهد طويل بذله في تدريس الطلبة، فقد قال: " خرجت إلى خراسان فما بلغت بلدة ولا قرية إلا وكان قاضيها أو مفتيها أو خطيبها تلميذي أو من أصحابي "، ولهذا فلا عجب أن تتحرك خراسان لمقدمه وأن توليه كل ذلك الترحيب.
وقد كانت السفارة ناجحة، عاد منها أبو إسحاق يحمل كتب السلطان ملكشاه والوزير نظام الملك، بإجابة مطلسي الخليفة، غير أن الفقيه الشيخ لم يعش طويلاً بعد عودته من تلك السفارة، فتوفي ليلة الأحد الحادي والعشرين من جمادى الآخرة (وقيل جمادى الأولى) سنة ست وسبعين وأربعمائة، في دار المظفر ابن رئيس الرؤساء بدار الخلافة من الجانب الشرقي، وغسله الفقيه الحنبلي أبو الوفاء بن عقيل وصلي عليه بباب الفردوس لأجل