اسم الکتاب : سير أعلام النبلاء - ط الرسالة المؤلف : الذهبي، شمس الدين الجزء : 0 صفحة : 122
والحق أن الذهبي لم ينظر إلى أمثال هؤلاء بالمنظار الذي نظر به إلى الرواة وأشباههم في الأغلب، بل نظر إلى كل طائفة منهم بمنظار يختلف عن الآخر، وهي مسألة قلما انتبه إليها الباحثون، فوقعوا بآفة التعميم، وخرجوا بما ظنوا أنه حقيقة، فذكروا أن المؤرخين المسلمين المتأثرين بالحديث الشريف وعلومه نظروا إلى جميع الناس بمنظار واحد هو منظار الحديث والمحدثين.
وقد استطاع الذهبي في " السير " وغيره أن ينظر إلى كل طائفة منهم بمنظار آخر كون في الأغلب صورة لجماع رأيه في المترجم.
إن تعدد المناظير هذا جعل آراء الذهبي في المترجمين تبدو لأول وهلة متناقضة مضطربة، نحو قوله في ترجمة صدقة بن الحسين الحداد المتوفى سنة 573 هـ " العلامة..الفرضي المتكلم المتهم في دينه " [1] ، فهو هنا قد فرق بين علم الرجل ودينه، وأعطى لكل ناحية تقويما خاصا.
ومن ذلك قوله في ترجمة الشهاب السهروردي المقتول سنة 587 هـ: " العلامة الفيلسوف.
من كان يتوقد ذكاء، إلا أنه قليل الدين " ثم علق الذهبي على إفتاء علماء حلب بقتله، بقوله: " أحسنوا وأصابوا "، وأنه " كان أحمق طياشا منحلا ([2]) "، ومثل هذا كثير.
وهذا الاختلاف في المناظير وتعددها عند الذهبي جعله يراعي في كل طائفة صفات معينة بصرف النظر عن اتفاقه أو اختلافه معهم، فكان ينظر إلى الخلفاء والملوك والوزراء وأرباب الولايات مثلا من زاوية الحزم والدهاء،
والقوة والضعف، والسياسة، والظلم والعدل، وحب العلم والعلماء ونحوها، [1] السير: 21 / الترجمة: 21. [2] السير: 21 / الترجمة: 99.
اسم الکتاب : سير أعلام النبلاء - ط الرسالة المؤلف : الذهبي، شمس الدين الجزء : 0 صفحة : 122