اسم الکتاب : سير أعلام النبلاء ط الحديث المؤلف : الذهبي، شمس الدين الجزء : 1 صفحة : 451
ونزل الوحي ساعة قضيت كلامي، فعرفت والله البشر فِي وَجْهِ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أن يتكلم فمسح جبهته وجبينه ثم قال: أبشري يا عائشة، فقد أنزل الله عذرك. وتلا القرآن. فكنت أشد ما كنت غضبا، فقال لي أبواي: قومي إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, فقلت: والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا إياكما ولكني أحمد الله الذي برأني. لقد سمعتم فما أنكرتم ولا جادلتم ولا خاصمتم.
فقال الرجل الذي قيل له ما قيل، حين بلغه نزول العذر: سبحان الله، فوالذي نفسي بيده ما كشفت قط كنف أنثى. وكان مسطح يتيما في حجر أبي بكر ينفق عليه, فحلف لا ينفع مسطحا بنافعة أبدا. فأنزل الله: {وَلا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} إلى قوله: {أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} [النُّوْرُ: 22] ، فقال أبو بكر: بلى والله يا رب، إني أحب أن تغفر لي وفاضت عيناه فبكى رضي الله عنه[1]. وهذا عال حسن الإسناد، أخرجه البخاري تعليقا؛ فقال: وقال أبو أسامة، عن هشام بن عروة فذكره.
وقال الليث -واللفظ له- وابن المبارك، عن يونس بن يزيد، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عُرْوَةُ وَابْنُ المُسَيِّبِ وَعَلْقَمَةُ بنُ وَقَّاصٍ وَعُبَيْدُ اللهِ بنُ عَبْدِ اللهِ عَنْ حَدِيْثِ عَائِشَةَ، حِيْنَ قَالَ لَهَا أهل الإفك ما قالوا، فبرأها الله؛ وكل حدثني بطائفة من الحديث، وَبَعْضُ حَدِيْثِهِمْ يُصَدِّقُ بَعْضاً، وَإِنْ كَانَ بَعْضُهُمْ أَوْعَى لَهُ مِنْ بَعْضٍ. قَالَتْ: كَانَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أن يخرج أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بها مَعَهُ. فَأَقْرَعَ بَيْنَنَا فِي غَزْوَةٍ غَزَاهَا، فَخَرَجَ سهمي فخرجت معه بعدما نزل الحجاب وأنا أحمل في هودجي وَأُنْزَلُ فِيْهِ فَسِرْنَا حَتَّى إِذَا فَرغَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَزْوَتِهِ تِلْكَ وَقَفَلَ وَدَنَوْنَا مِنَ المَدِيْنَةِ, آذَنَ لَيْلَةً بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل, فمشيت حتى جاوزت الجيش، فلما قضيت شأني أَقْبَلْتُ إِلَى رَحْلِي، فَإِذَا عِقْدٌ لِي مِنْ جزع ظفار قد انقطع فالتمسته، وحبسني ابتغاؤه وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي واحتملوا هودجي، فرحلوه على بعيري الذي كنت ركبت وَهُمْ يَحْسَبُوْنَ أَنِّي فِيْهِ. وَكَانَ النِّسَاءُ إِذْ ذَاكَ خِفَافاً لَمْ يُثْقِلْهُنَّ اللَّحْمُ، إِنَّمَا يَأْكُلْنَ العلقة[2] من الطعام، فلم يستنكروا خفة الهودج حِيْنَ رَفَعُوْهُ، وَكُنْتُ جَارِيَةً حَدِيْثَةَ السِّنِّ فَبَعَثُوا الجمل وساروا، فوجدت عقدي بعدما اسْتَمَرَّ الجَيْشُ، فَجِئْتُ مَنَازِلَهُمْ وَلَيْسَ بِهَا دَاعٍ وَلاَ مُجِيْبٌ فَأَمَّمْتُ مَنْزِلِي الَّذِي كُنْتُ فِيْهِ، وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إليَّ، فبينا أَنَا جَالِسَةٌ غَلَبَتْنِي عَيْنِي فَنِمْتُ. وَكَانَ صَفْوَانُ بن [1] صحيح: أخرجه البخاري "4141" من طرق عن عائشة، به في حديث طويل. [2] العلقة: البلغة من الطعام.
اسم الکتاب : سير أعلام النبلاء ط الحديث المؤلف : الذهبي، شمس الدين الجزء : 1 صفحة : 451